أن تدخل إليه السم فاكتشف المكيدة وشنق الأطباء ولكان عاد الصدر فتناول رشوة من روسيا هو وأمير موالدافيا وترجمان الباب العالي فلما اكتشف السلطان أمرهم أمر بإعدامهم في آب سنة ١٧٦٩ وأرسل الباب العالي قائداً آخر ودام القتال بين البولونيين والعثمانيين من جهة وبين الروس من جهة أخرى إلى سنة ١٧٧٠ وانتهى على ما مر بك آنفاً بتدمير الأسطول العثماني في تلك الوقعة المشؤومة.
فالمسلمون والبولونيون أصدقاء منذ عرفوا ما يكيد لهم أعداؤهم حتى أن بولونيا لم ترسل بجيش منها مع جيوش الصليبيين لما قام هؤلاء باستخلاص بيت المقدس من أيدي المسلمين. ويكفي في عناية الدولة بالبولونيين وعنايتها بالمجريين أيضاً أنها فتحت صدر بلادها لقبول المنكوبين منهم والعاملين على إنهاض بلادهم واسترجاع سلطانهم فأنزلت في أرضها على الرحب والسعة ووسدت إلى بعضهم المناصب واستعانت بهم على تقوية كلمتها الجندية والسياسية حتى أن الدولة لما أرسلت إلى مؤتمر بكرش الدولة مندوباً من قبلها في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر أعلنت بأن دول أوربا اذا رضيت بأن تعيد مملكة بولونيا إلى حالتها يعد الباب العالي علناً عن امتلاك ولاية الطونة ولذلك رأى عقلاء البولونيين أن تؤلف كتائب بولونية سنة ١٨٥٤ تحت رعاية العثمانية فتألف عسكر القوزاق وكان من كتائب الدراغون التي جاءت إلى سورية أيام فتنة ١٨٦٠ في جبل لبنان.
وكان من كتائب البولونيين في حرب القريم أن أبلوا مع العثمانيين بلاءاً حسناً ولما انتهت الحرب اقتطعتهم الدولة بعض القرى في ضواحي بروسة وأسسوا لهم بلدة في ضواحي الأستانة لا تزال إلى اليوم وقد دان بعض قوادهم بالإسلام مثل ميخائيل ساجوفسكي الذي سمي بعد محمد صادق باشا ولوبورد زاكي الذي لقب بمحمد حلمي وغيرهما من رجال البولونيين الذين أخلصوا الخدمة للدولة العثمانية. وابن محمد صادق باشا المشار إليه هو مظفر باشا متصرف جبل لبنان السابق.
وهكذا كان الأتراك والبولونيين يتحابان كلما طال المدى خصوصاً والعثمانيون يعلمون حسن معاملة البولونيين ايام استقلالهم للتار المسلمين النازلين في بلادهم ليتوانيا منذ سنة ١٤٠١ وكيف كانوا يعتمدون عليهم في الدفاع ويؤلفون منهم كتائب تغني غناءها في رد هجمات المهاجمين على بلادهم وكانت لهم حريتهم المذهبية والشخصية حتى كانت تسمح