ثلاثين سنة على طريقتين وهما إما أن يقيم المتعلم زمناً في بلد اللغة التي يريد تعلمها أو أن يكون أهل الطفل في سعة من العيش فيتخذون له مؤدباً أو مؤدبة يعلمه اللغة بالعمل بين ظهراني أهله وأسرته. وقد ابتدع الأستاذ برليتز الأميركاني طريقة سهلة لتعليم اللغات جرى عليها بعضهم في أميركا وأوربا فأسفرت عن نجاح أكيد. وطريقته عبارة عن نظر عقلي وعلم عملي وبلفظ آخر نظرٌ في المحسوسات لا المجردات إذ اللغة عبارة عن أصوات محكية لا عن إشارات مكتوبة. والتعليم سماعي أولاً ثم نظري. ولا يعمد في طريقته إلى الترجمة ولا إلى النقل ولا يستخدم فيها الطالب معجماً ولا يستصحب كتاب قواعد يل يتعلم الإنسان القوانين بعد لإكمال المعرفة العملية على نحو ما يتعلم الطفل لغة أبيه وأمه. وليس في تعلم القواعد نفع حقيقي إلا متى عرف المرء اللغة فالقواعد تشرح اللغة شرحاً علمياً فتبحث عن علل يتأتى الاستغناء عنها بادئ بدءٍ وقلما تنفع في تلقين اللغة شأن مصور لا يحتاج إلى إتقان العلوم الطبيعية والكيماوية ليصنع صوراً شمسية بديعة.
ما اللغة في الحقيقة إلا صورة محكية من الحياة فاقتضى في تعلمها أن يسير الإنسان من نفس الحياة لا أن يعمد إلى أشكال من التعبير لا تمس ولا تتحرك. وقلما تتلاءم الألفاظ وصور الأفكار بين لغة وأخرى كل التلاؤم فالبداءة بالترجمة الحرفية من لغة إلى لغة يراد تعلمها إضاعة للوقت وإتعاب للذهن على غير طائل. ومن العسر المتعذر أن يرسم المرء صورتين رسماً خفيفاً على حين لا يضع إحداهما على الأخرى وكذلك الحال في اللغات فقد امتنع أن يحكم وضع لغتين بعضهما على بعض.
واللغة بموجب هذه الأصول الجديدة عبارة عن محادثة دائمة باللغة الغريبة فكل ما يقع نظر التلميذ عليه مباشرة يكون له منه مادة درس وموضوع تعلم. وذلك بتربية الأذن والحواس الصوتية. فيلقن الأستاذ تلميذه حسن اللفظ وسرعة التركيب فيدرس الأفعال الأولى بالأعمال والحركات يقوم ويذهب إلى اللوح الأسود فبكتب ويفتح الباب ويرفع الكتاب ويضعه ثم تعرض على سمعه مشاهد الحياة اليومية فيسهل عليه تأليف جمل صغيرة يتزايد كل يوم عددها بسرعة. فيكون للتلميذ بهذه الطريقة في تأليف الجملة ما يلزمه من أوليات القواعد والروابط. والأمم بأسرها تتعلم لغاتها بالعمل أولاً ثم بالنظر. فيتعلم المتعلم ما تمس حاجته إليه إلى أن يكتب بدون غلط ويتعلم التلميذ أولاً معاني الكلمات الغريبة ثم يلقن التمرينات