العديدة بعد معرفة اللغة معرفة فطرية فمعرفة عقلية. ومن اللازم اللازب الاعتياد على الصور قبل القواعد. ثم يبدأ المعلم بالسؤال فيجيبه المتعلم ولا يزالان ينتقلان من البسيط إلى المركب ومن شرح المفردات إلى تفسير العبارات ويكون كل ذلك باللغة التي يراد إتقانها.
وللفظ في هذه الطريقة المقام الأعلى. ولم يكن يعنى بتقويمه من قبل. والأساتذة الذين يحسنون التلفظ بلغة ما هم ممن تعلموها على الأسلوب الطبيعي في طفوليتهم أو أتقنوها بمقامهم في البلاد التي تتكلم فيها تلك اللغة. وجودة التلفظ هو روح اللغة على التحقيق. ولا تعد العبارة شيئاً مهما بلغت من الضبط متى قبح اللفظ وتجلت الأعجمية فيه عياناً. ومن الهجنة أن التلفظ لا يكاد يصلح إذا فسد لأول أمره. وصعب على الإنسان ما لم يعود.
فالطريقة المشار إليها مغايرة لطريقة الترجمة المألوفة في الأغلب إذ كل معرفة يرشد إليها المتعلم على هذه الصورة لا تحسب ناقصة الجهاز مشوشة الأسلوب. وقلما تجد الألفاظ في لغة ما يقابلها في لغة ثانية ولكل لغة اصطلاحاتها الخاصة بها ليس للترجمة مهما أتقنت أن تنقلها على أصلها إذ التصورات التي تمثلها لغة لا تتحد مع تصورات تمثلها ألفاظ لغة أخرى اتحاداً ذاتياً معنىً ومبنىً. كتب أحد الغرباء إلى فنيلون العالم الفرنسي المشهور إن لي منك يا مولاي أمعاء والد يريد أن يقول قلب والد وقال الفونس الثاني عشر ملك إسبانيا وقد جاء قصره في يوم احتفال: أتود أن تتعب معي نحو النافذة يعني بذلك أن تقترب نحو النافذة.
ولو تعلم ذاك الكاتب وهذا الملك أن يتكلما الفرنسية على طريقة الأستاذ برليتز إذاً لنجيا من هذا الغلط الشائن وكان شأنهما في سهولة التعبير وجودة التصوير شأن أولئك التجار والسوقة ممن ينزلون بلاداً لا يحسنون لغتها فما هو إلا قليل حتى يمرنوا على تكلمها زمناً فيحسنونها ولا إحسان من تعلموها على دكات المدارس وهم يقلبون المعاجم ويتأبطون كتب نحوها وصرفها وبيانها ناقلين ناسخين مستظهرين ناسين. وطريقة برليتز هذه أن يستعمل أولاً اللغة المتعلمة خاصة وأن يتابع التصور في اللغة الغريبة مباشرة بدون وساطة اللغة الأصلية وأن تُعلَّم أسماء الأعيان بقوة الحس وتعلم أسماء المعاني بتتابع التصور ويدرس النحو بالأمثلة والشواهد.