فتخلص الأستاذ من الجواب على هذا الاعتراض إلى وصف ذكاء ابنه. وصفاء ذهنه. وأنه يفهم ويحفظ ما يلقى عليه بسرعة. وقد حفظ مرة كتابا صغيرا في قواعد اللغة الفارسية وحذق جميع مسائله في وقت قصير. ثم قال: لكن ابني مع هذا الذكاء النادر كسول لا يهتم بحفظ دروسه. ولا يصبر على المطالعة. ولو فعل لكان من النابغين الأولين. وعد في مقدمة الطلاب الناجحين.
ثم قال: وإنني لا أطيق أن أرى ابني جاهلا وأن أعيش أنا وإياه تحت سقف واحد. وقد أعيتني الحيلة في تعليمه. ويخطر لي أنه إذا وصل إلى سن العشرين وبقي على ما هو عليه من الكسل والجهل أسلمته إلى الجندية. وضننت بدفع البدل النقديّ عنه. أو أنني أرسله إلى مكاتب الأستانة. حيث يعفى التلامذة من الخدمة العسكرية. وأخذ يصف ما يقاسي من عناء هذا الأمر وأن ابنه نغّص عليه طيب عيشه. ولذيذ حياته. قال الراوي: فخشعت نفسي لقول الأستاذ. ورثيت لحاله. وقلت أرى يا سيدي أن حياتك أثمن من أن تكدر صفوها بمثل هذا. وأن ابنك إذا لم يكن فيه استعداد وميل لطلب العلم. فاختبر ميوله الأخرى لشؤون الحياة ودعه يشتغل في العمل الذي يحسنه ويميل إليه بطبعه. فإذا كان يميل إلى التجارة والكسب فنشّطه لسلوك هذا السبيل. وإذا رأيته يميل للدخول في سلك موظّفي الحكومة فليفعل. فإن ذلك أجدى من أن تحمّله ما لا طاقة له به من التحصيل.
فارْبَدَّ وجه الأستاذ من سماع هذا الكلام. وقال: إن جميع ما تعلمه أنت أعلمه أنا وإنك للآن لم تدرك ما أقول: أما قلت لك أن ابني على جانب عظيم من الاستعداد والذكاء وإنه يحفظ ويفهم ما يلقى عليه بسهولة وإنه في ساعة واحدة حذق مسائل اللغة الفارسية التي لا يدركها غيره في بضعة أيام.
قال الراوي: قلت بلى يا سيدي الأستاذ فهمت كل ما تقول ولكنك أنت لم تفهم بعضاً مما أقول:
إن قوة الذكاء والفهم غير قوة الميل والرغبة. فما لم تتوفر في الطالب هاتان القوتان لا يقال عنه أنه مستعد للطلب. ولا ذو قابلية للعلم. وإن ابنك ذكي سريع الفهم. لكنه كسول ضعيف الميل. فهو إذن قد توفرت فيه قوة دون قوة. ألا ترى أن كثيرين من الطلاب هم