للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجورهم وتعدي الحاكمين واستبدادهم ولا أن ينسبوا كلمة في الإصلاح والعمران.

أما كان الفلاح يهجر أرضه ويقطع غرسه ويهمل ضرعه تخلصاً من الظلم؟ أما كان يترك داره تنعي من بناها كرهاً لا طوعاً لأن صبره قد عيل في تلك الأيام السوداء ولم يبق في وسعه أن يحتمل فوق ما احتمل بصعوبة لا يستطيع وحش بشري ولا وحش بري أن يطيقهما. لما هجرتم أوطانكم وخلانكم وأخدانكم وأخوانكم وأعز الناس لديكم وأحبهم إليكم يا أيها الأحرار؟ أهو لكونكم لم تقدروا على إطاقة ما لا يطاق أم لا؟ كنا نتوقع أن تكونوا عادلين في كتاباتكم عنا في أرض غربتنا. كنا ننتظر إنصافاً لا إجحافاً ولكن شئتم ومرؤتهم وغيرتهم كبار الآمال بل قضت الأقدار أن يظلمان حتى حماة العدل وكماة الفضل إلا أن الأيام بيننا وبينهم ولكل عصر أحكام.

والخلاصة أن سوريي أميركا لم يخربوا وإنما عمروا ودواعي الخراب المشهور في سورية عائدة إلى تلك الحكومة المشهورة أمرها وإن صح أن الذنب كله أو جله راجع على سوريي أميركا فلماذا فررتم أنتم من وجه الحكومة الجائرة قبل سوريي أميركا أو بعدهم ولم تبقوا في سورية لتصلحوا ما أفسده سواكم أو لتعمروا لا لتساعدوا على ازدياد الخراب.

أشاع والي بيروت وكثيرون غيره إشاعات عن سوريي أميركا لم نسمع بها إلا منه ومنهم ولعل الغيرة على مصلحة الدولة دعتهم إلى تلك الإشاعات. فإذا افترضنا وجود افتقار بعض السوريين في أميركا إلى القوت الضروري فإنه من المؤكد والمحقق وجود كثيرين من السوريين الغير (بضم الغين والياء) الذي يعنون بذلك البعض ويطمعونه ويسدون حاجاته وإن افترضنا أن السوريين لم يكترثوا بأخيهم الجائع فحكومات هذه البلاد الرحومة الشفوقة تعنى به وإن افترضنا أنها لا تعنى به فهناك جمعيات في كل ناحية من نواحي هذه الديار غرضها الاعتناء بالفقراء والمعوزين على أنني لم أسمع ولم يسمع غيري أن سورياً مات جوعاً من أول عهد السفر حتى يومنا هذا وكيف يموت السوري جوعاً وقلما فرغ كيسه من المال مهما تكن حالته وحرفته من أرض غربته. وأما القول بأن هذه الإشاعات هي نتيجة تقارير معتمدي الدولة العثمانية في أميركا فإننا لا ندري كيف أن هؤلاء المعتمدين يبعثون بتلك التقارير وهم لا يعرفون عن سوريي أميركا من حيث مجموعهم شيئاً تقريباً ولا يعرف السوريون عنهم سوى وجودهم في أميركا.