وأما دعوى القائلين بأن ما ربحته سورية مالياً من طريق أميركا لا يوازي عشر معشار ما خسرته من شبانها ورجالها الذين ذهبوا فدية الغربة فأقول لهم أنه من البديهي أن من يموت في سورية يموت في أميركا. فالموت موجود في هذه الأمور كما هو موجود في تلك خلّ عنك أنه أقل بطشاً منه في سورية بدليل وفرة الوسائط الصحية في أميركا وقلتها في سورية والسوريون في أميركا محافظون عل صحة أجسامهم أكثر بكثير من محافظتهم عليها في سورية.
وأما القول بأن المال الذي فارق السوريون آباءهم وأمهاتهم وأقرانهم من أله لا يساوي لوعة أم على فراقة فلذة كبدها فهو قول أعده من تلك الأقوال العتيقة البالية التي كانت ومازالت من أسباب انحطاط الشرق والشرقيين.
اجتماع الولد بأمه وأبيه وأهله دائماً حسن وجميل ولكن هذا الاجتماع لا يصيّر الولد رجلاً ولهذا ترى رجال الشرق الذين يصح أن يقال فيهم أنهم رجال قلائل جداً بل لهذا السبب أصيب الشرق بقحط الرجال.
الأميركي يربي ولده ويعلمه وحينما يبلغ رشده يقول له واذهب إلى العالم وعاركه ودعه يعاركك وأما الشرقي فلا يعلم ولده ويلا يربيه تربية الأميركي ولا يعلمه تعليمه وإنما يخاف عليه إذا فارق بيته ولو إلى بضعة أميال وهو يعتقد بأن بعمله هذا يحبه ويغار على مصلحته وخير مستقبله وإن هذا هو أهم ما يطلب منه ولكن قد فاته أن هذا الخوف وعدم هذا الخوف يتوقف سقوط أمم وارتفاع أمم وإذا لم ينتفع سوريو أميركا غير هذا من أميركا فكفيهم لأنهم على هذا المبدأ يستطيعون أن يشيدوا بناء أمة عالية.
وأما الذاهبون إلى أن بقاعاً جمة من بقاع سورية قد خربت بسبب مهاجرة سوريي أميركا وأنهم لو ظلوا في بلادهم يتعهدون زرعها وضرعها وتعميرها لكانت درت عليهم وعلى سورية أنهار الثروة وكانت هذه الثروة أكبر بكثير من ثروتهم التي حصلوها في أميركا ولكانت تلك البقاع زاهية بالحضارة زاهرة بالعمران فهو مذهب فاسد من وجوه جمة.
هو مذهب فاسد لأن الطور الذي زايلوا فيه وطنهم كان طور الخراب. فكانت سماؤه وأرضه خرباً في خراب وجهاته الأربع خراباً بخراب ولم يستطع في أيامه سوريو أميركا وغير سوريي أميركا أن يثروا ولا أن يعيشوا على الأقل عيشة خالية من ضغط الظالمين