للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العربي.

غادروها فقراء فصاروا في أميركا من أهل اليسار.

غادروها ولا مقام لهم فصاروا في أميركا من أهل المقامات.

غادروها ضعفاء العمة والعزيمة فصاروا في أميركا من أهل العزائم والهمم.

وهذا ليس ما كانوا عليه في سورية وبعض ما صاروا إليه في أميركا وأما ما أرسلوه من المال إلى سورية فهو أكثر من عشرة ملايين دولار أو مليوني ليرة إنكليزية ومن كان مشككاً بذلك فعليه بمراجعة مصرف لندن والمصرف العثماني في بيروت على الأخص.

منذ عامين سألت أحد العمال في مصرف أوهاما نبرسكا الأول وهو المستر نيسي الذي لا يزال حياً يرزق عن قيمة الدراهم التي أرسلها سوريو ولاية نبراسكا إلى سورية على يده من ذلك المصرف فقال: إن ما أرسلوه في شهر واحد بلغ ستين ألف دولار أميركي أي اثنتي عشرة ألف ليرة إنكليزية. فإذا كان هذا أرسله فريق من سوريي ولاية نبراسكا في شهر واحد فكم هي قيمة المبالغ التي أرسلها ويرسلها في غيره ولايات؟

وآثار ذلك المبلغ الكبير بادية لذي عينين في لبنان وغير ولايات سورية.

لما كنت في سورية كنت أرى بأم عيني المبالغ التي كانت ترد على أهالي راشيا الوادي وقراها فكانت تلك المبالغ وحدها تختلف في كل أسبوع بين الخمسمائة ليرة والألف بيرة حتى كثر المال في ذلك القضاء بين الأيدي وكثر الأخذ والعطاء وصار ربا الليرة في الشهر عشر بارات وعشرين بارة بعد أن كان قبل عهد السفر إلى أميركا لا يقل عن غرشين أو ثلاثة غروش.

والدور الجميلة التي يشاهدها الناس اليوم في الأقاليم والولايات والألوية والمديريات والأقضية التي لها علاقة بسوريي أميركا قد بنيت بمال هؤلاء ولولا هذا المال لبقيت بلدان وضياعكثيرة أقرب إلى الخراب منه إلى العمران ولولاه لما كانت قدرت الرعية على تأدية الأموال الأميرية لأن البلاد السورية ولاسيما في العقد الأخير من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين كانت بحاجة شديدة إلى المال. فالأشغال في ذلك العهد المظلم أمست في خبر كان. وكان الحكام والموظفون وأهل السلطة والسيادة قد اغتصبوا البقية الباقية من مال الأمة. ولم يبقوا لها إلا الموت ذلاً وفقراً وجوعاً وقهراً.