للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذا التعرض من عل وأتى بأشد مما نهاهم عنه. وحذرهم منه. ولامهم عليه.

ولا يكون من الإنصاف بعد هذا أن لا نذكر نموذجاً مما نؤاخذ الكاتب فيه. ثم نلفت أنظار القارئ إلى:

أول ما يؤخذ عليه قوله في العنوان (الفصيح العامي والعامي الفصيح) فإنه تكرار لأحسن فيه. ولا داعي له: إن كلمتي (العامي) و (الفصيح) في هذا التركيب وقعتا صفة لمحذوف كأنه يقول (اللفظ الفصيح في أصله العامي في استعماله) ولما عكس وضع الكلمتين كان المعنى (اللفظ العامي في استعماله الفصيح في أصله) وه نفس المعنى المستفاد من التركيب الأول فكان ذكره زيادة مستغنى عنها. وليس تغليب الكلمتين هنا كما هو في قلوهم (كلام الملوك ملوك الكلام) فإن هذا القول له معنى خاص لا يستفاد إلا بمجموع التركيبين وقد حمل أحدهما على الآخر. أي أن لكلام الملوك ميزة على سائر كلام الناس كما أن للملوك ميزة على الناس أنفسهم. فالمعنى المستفاد من الموضوع والمحمول حسن في ذاته. وزاده حسناً قلب التركيب وعكس الألفاظ حتى استحق بذلك أن يعد في جملة أنواع البديع.

ثم بعد هذا العنوان أراد الكاتب أن يبين مبلغ حاجتنا إلى معجم لغوي يجري في تحليل الألفاظ مجرى معاجم اللغات الأوربية فافتتح الكلام بقوله: (ليس في اللغة العربية معجم واحد يستحق أن يدعى نجعة الرائد يوفر الشواهد وكثرة الفوائد وضبط الشوارد ولا في غير اللفظة ما يدل على إزالة الإبهام الخ) فقوله (ولا في غير اللفظة) غامض في اتصاله بما قبله مبهم في تعيين المراد منه.

ثم قال: (فترى أكثر الكتاب يتخرصون فيما لا يعذرون عليه ويتوهمون أن البيان في الدخيل والحوشي والبلاغة في العقيم والوحشي وأن كل من هرف عرف).

الكاتب الذي خط قلمه هذه العبارة هو الذي قال بعد سطرين (قد تهتأ ثوب اللغة حتى كاد يسقط من تقطعه فترى كل من تحيف بيانه عجمة وجدل عن ادعاء ومكابرة يتحف الفصيح ويستلب البليغ ويحرك خشاشه غضباً على كل ملك من اللغة عناناً وضبط لها بياناً ويكون لا يدري من أي الدهداء هو الخ) إذا سالت معاجم اللغة عن معنى ما ورد في هذه الجملة قد تجد أن معنى (تهتأ) تقطع وبلى. لكنك إذا سالت نفسك عما فهمته منها تجدها لا تحير جواباً. ولا تملك خطاباً. وإذا ألحقت عليها بالسؤال تقول لك يلوح لي أن الكاتب الفاضل