المسؤول في أن يكفي المسلمين مكره فما بلوا بأعظم حيلة ولا أشد إقداماً منه، ولقد كان ملك انكلترا صادق جماعة من مماليك صلاح الدين ودخل معهم دخولا عظيماً بحيث كانوا يجتمعون به في أوقات متعددة وكان في كل هذا يخلط الجد بالهزل حتى يتوصل إلى مأربه ألا وهو استرجاع بيت المقدس الذي استخلصه صلاح الدين منهم.
ثم تذرع ذاك الداهية إلى إنقاذ أهل نحلته من شر الفتنة كان المسلمون قد ضاقوا ذرعاً بمدافعتهم وزحزحتهم عن تلك الديار فبادر صاحب انكلترا إلى عقد الصلح سنة ٥٨٨هـ - وسبب ذلك كما قال أبو الفدا أن ملك الانكليز مرض وطال عليه البيكار فكاتب الملك العادل يسأله الدخول على السلطان في الصلح فلم يجبهم السلطان إلى ذلك ثم اتفق رأي الأمراء على ذلك لطول البيطار وضجر العسكر ونفدت نفقاتهم فأجاب السلطان إلى ذلك واستقر أمر الهدنة ولم يحلف ملك الانكتار بل أخذوا يده وعاهدوه واعتذر بأن الملوك لا يحلفون وقنع السلطان بذلك وحلف الكندهري ابن أخيه وخليفته في الساحل وكذلك حلف غيره من عظماء الفرنج ووصل ابن الهنفري باليان إلى خدمة السلطان ومعهما جماعة من المقدمين وأخذوا يد السلطان على الصلح واستحلفوا الملك العادل أخا السلطان والملك الأفضل والظاهر ابني السلطان والملك المنصور صاحب حماة محمد بن تقي الدين عمر والملك المجاهد شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص والملك الأمجد بهرام شاء ابن فرخشاه صاحب بعلبك والأمير بدر الدين بلدرم الياروقي صاحب تل باشر والأمير سابق الدين عثمان بن الداية صاحب شيزر والأمير سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وغيرهم من المقدمين الكبار.
هذه هي المسألة الأولى التي تجلى فيها الدهاء الانكليزي في أجلى مظاهره والمسألة الثانية وهي أحدث من الأولى عهداً ولكن يتخللها مئات من المسائل كلها سلسلة دهاء هي مسألة الاستعمار فإن الانكليز لم تفتح أمامهم مصارف جديدة للتجارة إلا لما اكتشف خريستوف كولمبس أميركا ولقد تقدمت البرتقال غيرها من الدول لاستعمار الأرض وتلتها اسبانيا ثم هولندة وقد بلغت هذه الدولات الثلاث أوج مجدهن الاستعماري في النصف الثاني من القرن السادس عشر أيام كانت انكلترا لم تظهر بعد على ملعب الاستعمار ثم جاءت فرنسا فانكلترا ولكن هذه الدولة بزت الدول الأربع الأول. وأثبتت أنها دولة بحرية عظمى في