صلح اوترخت سنة ١٧١٣ وتطمح إلى الاستيلاء على البحار ولكن هذا الدهاء في تأخر الانكليز عن دخول معمعان الاستعمار قد هيأ لانكلترا الاستئثار بالاتجار مع أميركا. وانكلترا أقرب الدول إلى العالم الجديد وشطوطها وهي تمتد على مسافة ٧٩٠٠ كيلومتر أي ضعفي شطوط فرنسا وأكثر الدول البحرية الأربع قرباً إلى شطوط بحر الظلمات من سيفه الآخر فقبل سنة ١٦٠٠ ميلادية لم يكن لانكلترا مستعمرات خارج أوربا وبالدهاء السياسي افتتحت انكلترا الجديدة وفيرجينيا وأخذ شارلس الثاني سنة ١٦٦١ مملكة الهند وكانت سبب غنى انكلترا وعظمتها هيأ أخذها أناس من تجار الانكليز دخلوا مع الهنود دخول السل في جسم العليل وكان من أمرهم ما كان.
وهكذا لو تقصينا التاريخ لشاهدنا أمثلة كثيرة في الدهاء الانكليزي الذي لا يشبهه دهاء في الأمم وأيقنا أن الثبات والصبر والتأني والسكون الذي خص به هذا العنصر هو الذي كان سبب نجاحه في أعماله فاشتهرت بجودتها على قلتها وندرتها وسياسته اشتهرت بحذقها على جفائها والتاريخ أعظم ترجم عن الأمراء والأمم وبه تكشف حقائق البشر وخصائص الشعوب.
ولهذا الدهاء والتأني والصبر أسباب طبيعية وصنعية في انكلترا بحث فيها علماء الاجتماع٨ والنفس فما قاله اميل بوتمي من كبار علماء فرنسا أن القوى الطبيعية هي من جملة الأسباب التي تؤثر في تربية الشعب وهذه القوى هي صورة الأرض الظاهرة وجبالها وأنهارها وبرها وبحرها وقسوة مناخها أو لطافته ووفرة ثمارها الأرضية أو ندرتها. فإن تأثيرها قديم كالإنسان ولا سبيل إلى أن نجد في التاريخ دوراً لم تؤثر هذه الحالات في البشر وإذا كان عرض للإنسان قلب وإبدال فذلك ناشئ من مجموع أسباب وهذه الأسباب هي التي سماها تين العالم الفرنسوي (المحيط) أو البيئة والعادات والقوانين المزبورة على الحجر والمذاهب الدينية والأشعار القصصية وغيرها كانت لأول الأمر نتيجة المحيط الطبيعي فأصبحت مع الزمن ذات تماسك وحياة خاصة وصارت تولد بذاتها شعوراً وتتسرب إلى الأسباب الطبيعية العظمى ولكن هذه الأسباب الرئيسة ما برحت تغشى هذه الجمعية البشرية التي كانت هي الباعثة إليها ولها اليوم تأثير كبير حتى أنها لتأتي على الأخلاق الراسخة والمواهب الإرثية فتغيرها وتفعل فيها ما فعلته في أهل