انكلترا من بلاد الشمال ولها بين بلاد الشمال مركز امتازت به فليس لإقليمها ما يعادله بين الأقاليم لأنها تتمتع بمناخ يكاد لا يختلف طوره فلا ترى في الشتاء تبدلاً في الهواء من شمالي انكلترا إلى جنوبيها على مسافة تسعمائة كيلو متر فيستطيع سكان بريطانيا أن يتنقلوا من ناحية إلى أخرى بدون أن تتأثر أجسامهم من هذا التنقل وتختلف انكلترا عن سائر بلاد الشمال بتعرج شطوطها وخصب تربتها في حين يضعف الهواء المرء في أواسط بلاد روسيا أو في شمالي بروسيا فيكتفي الروسي بما حضر لديه من حاجاته ولذلك يقل فيه فكر الإقدام على الأعمال أما الطبيعة في بلاد الانكليز فتنادي ساكنها بقولها إنك يا هذا تهلك إذا تراخيت وتستمتع إذا جددت. فالهواء في بلاد الانكليز رطب ولكنه صحي وثقيل بحيث يكاد يصعب استنشاقه أحياناً والجسم يهزل فيه إذا لم يتغلب عليه بحركات كثيرة. وإن انكلترا لتطفح بطوال القامات ضخام الأجسام أشداء البنية وفيها من المعمرين الشيوخ أكثر من كل بلد من بلاد أوربا والأرض الانكليزية بما تترطب به من الضباب أو يغمرها من هطول الأمطار تحتاج على الدوام إلى التجفيف بالقساطر حتى لا تغدو بطائح أو غابات وهي بفضل تعهدها خصبة ممرعة. ومناخ انكلترا يحتاج إلى الغذاء الكثير ولاسيما اللحوم وأرضها مستعدة كل الاستعداد لتربية المائية والبحر بما ضم بطنه من الأسماك يدخل في مضايق إلى أرض بريطانيا العظمى فيصبح الصيد على طرف الثمام.
وبالنظر لرطوبة الهواء على الدوام واصفرار الشمس بما يداهمها من الضباب الذي ينخل أشعة الشمس نخلا لا تزال الظلمة سائدة شطرا من النهار يضطر معه ابن تلك البلاد أن يحسن لباسه ومنامه ودفئه ويبحث عن الأعمال التي تحتاج إلى كدح وكد فهو في حاجة إلى جوخ لثيابه وإلى جدان غليظة لمسكنه فتراه يصرف حزما منهما من وقته في النسيج والتقطير واستخراج الفحم أو تراب النفط للوقيد خلافا لابن جنوبي أوربا فإنه لا يحتاج إلى مثل تلك العدة ليعيش والانكليزي إذا لم يجد عامة حاجاته في أرضها يجلبها من الخارج بواسطة المقايضة مع ما ضمته أحشاء بلاده من المعادن والمناجم ويسهل عليه تناول ذلك بما له من وسائل النقل السريعة الرخيصة الأجور.
ولذا كانت الطبيعة الخارجية للأمة الانكليزية مدرسة إبداع ونشاط وحذر وتدبر فنشأت هذه