الفضائل من أسباب جلب المصالح درء المضار وكانت من كماليات الأخلاق في هذا الجنس ودعا الجهاد للحياة وهو هنا أصعب منه في كل بقعة إلى أن ينسلخ عنه بالانتخاب الطبيعي كل من لم يرزقوا هذه الصفات اللازمة كالمرضى والجامدين والجبناء والعطلين ولم يبق من هذا العنصر غير الأقوياء أهل الدراية العاملين وتأصل ذوق العمل بنشاط دائم فعال في النفوس حتى صار كأنه ارثي فيها.
قالوا إن الشعب الانكليزي شعب انتفاعي وهذا يصدق على كثير من الشعوب ولكن العامل الأكبر اليوم في هذه الأمة الهوى في العمل للعمل والميل إليه حبا به. وما الحياة السياسية في انكلترا إلا ناشئة من الميل إلى تمرين القوة والبذل منها بطائل وبدون طائل ومن يجتاز البلاد الانكليزية يشعر بحاجة الأمة إلى هذا التمرين وإلى هذا الصرف من القوة بما يراه من الحركة على السيارات واشتغال قوم بالألعاب الشاقة فيوقن بأن الرياضات البدنية الشديدة ليست في انكلترا مدعاة للتسلية بل هي ضرورية لدفع حاجة طبيعية لا تقل في مسيس الحاجة إليها عن الجوع والعطش.
وكل من زار لندرا يشهد الرجال من الانكليز يركضون في الشوارع عدوا كأنهم في سبيل مهم جداً يوشك أن يذهب إذا أبطئوا عليه فيركضون نحوه بدون أن ينظروا ذات اليمين وذات الشمال للتخلية والتسلية فهم لا يضعون نصب أعينهم غير الغاية العملية التي هي هدفهم ومنتجعهم حتى إذا وصل العامل إلى مكتبه أو عمله ينصرف إليه بجملته ولا يدخل فيه غيره ولا يلتفت إلى ما يصده أو يخطر بباله في غير ما هون بسبيله فتراه لا ينقطع دقيقة عما هو مأخوذ به ولا يني في مهمته ولذلك كانت أجرة العامل الانكليزي أرقى من أجور عملة الأمم الأخرى لأنه لا يلهيه شيء أثناء العمل ويعمل نحو ضعف ما يعمله الايرلاندي أو الألماني مثلا. وهذا المزاج الخاص يولد في جميع الفروع عملا مدهشا.
وإنك لترى نساء الانكليز لا يستنكفون من عمل يتعاطينه لتكون لحياتهن غاية فينصرفن إلى تأسيس جمعيات الإحسان ويخدمن في المستشفيات ويعملن أعمالاً قد تعدها بعض الأمم المتمدنة من الأعمال الوضيعة ولكنها تكون لخدمة الإنسانية ولذا دخل خمسون ألف امرأة في الحزب الحر في انكلترا وشاركن الرجال ومنهن المطالبات بحقوق الانتخاب والمؤمنون من الانكليز بالدين لا يؤمنون به وينصرفون عن كل شيء بل يعملون باسمين ويجتهدون