في الحياة لا يصدهم ما أخذوا أنفسهم به من الغابة عن النظر في دنياهم.
وبعد فإن الذوق واعتياد العمل يجب أن ينظر إليهما كأنهما خاصة جوهرية وصفة لازمة اختيارية لهذا الجنس فهما يصحبان الانكليزي حيث يذهب تشفعهما الأسباب المكتومة من نياته وهما مفتاح أسبابه وأن الدواعي التي أدخلت ضرورة العمل في هذه الجنس قد أضاعت اليوم من شأنها وذلك لأن كثرة الغنى العقلي والمادي قد زاد عدد الأغنياء وأضعف على التدريج في جزء من سواد الأمة الانكليزية الغريزة الإرثية التي بها يعترف الإنسان بقانون العمل ويقبل به. فأصبح الكسالى والضعاف في هذا المحيط الجديد أكثر حظاً في البقاء فتألف منهم عنصر خاص تحرص حكومته على جلب المنافع إليه وأهل السعة من الانكليز يبذلون الفضل من أموالهم له وكل هذا على الجملة لا يضر الصفات التي ورثها الانكليز وتأصلت فيهم مدة قرون.
للإقليم في انكلترا تأثير مهم في الشعور والمدارك فهي البلاد التي يجف هواؤها وتكثر كهربائيتها التي تقوي الألياف وتمتن الأنسجة ويكون الإحساس في أهلها أسرع.
ومثل الحس يكون التصور الطبيعي أي حاسة تمثل المحسوسات فإنها في الانكليزي تتأخر ولذلك نرى الأعمال الجراحية تكون أقرب إلى النجاح في الانكليزي منها في الايطالي مثلا لأن الأول قلما يضطرب كالثاني. وقد شاهد خصوم الانكليز من عسكرهم في حروب اسبانيا وواترلو وانكرمان عجبا إذ لم يكونوا يتأثرون للأعضاء تبتر والقذائف تنفجر والعظم بكسر وحشرجة الأرواح تتصاعد.
إن أرض انكلترا على ما خصت به من العبوسة والأمطار الغزيرة والضباب المتواصل والطبيعة الساكنة قد أثرت في نفوس بنيها حتى لم يجدوا في الوجود ما يشغلهم ولذا شغلوا بخاصة أنفسهم وقل كلامهم كما قل شعورهم بما يأتيه من خارج والكلام كالشعور والفكر يرتقي ويصفو بالرفاهية وخضال العيش وهو أثر من آثار الثروة العامة والفراغ. ولقد وصف الفيلسوف تين الشعب البريطاني بقوله من السرور الذي يشفعه السكوت وهو من أعظم ما تطمح إليه نفس كل انكليزي أن يجاهد في أمر ويتحمل المشاق ولا يتنازل عما نوى. وقد أعرب شاعرهم تنسون عن مثل هذا الفكر شعرا جاء معناه: ما أعظم على النفوس أن تقف دون غاية وتجعل لقواها حدا وأن تصدأ كالسيف يعلق على الحائط بدلا