من أن يلمع في يد حامله ويصفو بالاستعمال. ليس استنشاق الهواء هو الحياة بل إننا إذا فقدنا كثيرا فقد بقي علينا كثير فما كنا عليه ما برحنا فيه: قلوب أبطال شأنها التساوي بأنفسها أصبحت على الزمن وبيد القدر نهب الضعف ولكنها مسلحة بإرادة شديدة في مضائها وبحثها وإيجادها وأن لا تلين قناتها أبداً.
تقل في العنصر الانكليزي على الجملة الكفاءة لتصور الأفكار العامة ويكره النظريات المجردة كما يكره المذاهب المقررة فليس للانكليزي شيء من المجردات يشغله بل تراه على الدوام مأخوذا بضرورة العمل أليس معنى هذا أن حاسة العموميات ضعيف تركيبها في انكلترا بل أن العقل عملي لا يقبل إلا ما يلزمه وينفعه يعرف كيف يضبط نفسه ويحدد حدوده حتى إذا سار بنفسه سار سيرا نافعا لا سيرا نكرا فعقله لا يشبه قائده في جيش يفكر في وضع خطط الهجوم والقتال بل عقله يشبه ضابطا يقود بعيدا عن معمعان الحرب قسما من الجند الاحتياطي المساعد فلا ترى في هذا الضابط قابلية لأن يكون في الطليعة ولكنه يجيد في اتخاذ مركز له في النقط التي تجاوزها الجيش المهاجم وينظم فيها المقاومة
لا شيء يقع على عقل الانكليزي من الغرابة أكثر من إنكاره القوة الطبيعية والنظريات في الإلهيات والمعقولات بل يرى أن أجنحة الفكر لم تبرح في نمو ولذلك لم تستعد للطيران مسافات طويلة بل هي تساعده فقط على السير فإذا ارتفع هنيهة وحلق في الجو فذلك ليعود إلى الأرض بعد مدة قليلة وهذا ما دعاه يفكر في الأمور القريبة التي أكثر ما تكون مساسا به مباشرة وله من مشاغله في تحصيل ثروته وتحسين زراعته ما يصده عن الحق ولا يفرغ ذهنه إلى النظر إلى الأشباح الفارغة فهي بعيدة من الأرض جدا غريبة عن الحياة الدنيا غير ملتئمة مع شروطها وضرورياتها ولذا ترى الانكليزي في مسائل الدين لا يتعدى أفق العالم المدقق بأحوال الأنفس والأخلاقي الذي يبحث في المرئيات وليس هو صوفيا أو منكرا ولا موحدا وهو لا ينظر إلى القواعد الموضوعة والألفاظ بل ينظر إلى الغاية من التدين أكثر من الواسطة وهكذا هو في السياسة فلا تقوم حريته فقط على الدستور الذي يمنح الحرية على التقاليد الموروثة التي تحمي حمى الحرية القديمة المتأصلة فيه.
من غريب حال الانكليز أن كثيرين من حملة العلم فيهم لم يتعلموا العلوم اللازمة للإلمام بالتربية العامة فهم أخصائيون لا تشوبهم شائبة وأن من يحاول في انكلترا أن يحدث