علمائهم في العلم المجرد لا يجد من يستمع لكلامه فالعالم الطبيعي عندهم هو الذي يعرف كيف يصنع نموذجا ميكانيكيا يطبق فيه العلم على العمل فقط حتى إنك لا ترى في كتبهم في الكهربائية إلا حبالا مرسومة تعلق وتمتد ومواسير يقطر منها ماء وغيرها ينتفخ وآخر ينقبض وهكذا انكلترا في صناعاتها فلا يصدر منها إلا ما يقع تحت حسها ولا تقص في قصصها إلا ما يماثل حالتها الطبيعية وكذلك تاريخها ورواياتها التشخيصية وفلسفتها فإن فلسفة اوغست كونت الحية ومخترعها فرنسوي وجدت لها أعواناً في انكلترا أكثر مما وجدت في فرنسا لأنها صادفت هوى في أفئدة القوم.
فهذا هو الشعب الذي قدر له أن ينشر البرتستانتية بثباته ويخرج من الكنيسة والكثلكة إذ كانت دين سلطة قادرة روحية تقنن وتحظر وتعاقب والناس معها مكرهون على القيام بتعاليمها أما المذهب البرتستنتي فهو دين الحكومة الذاتية الوجداني فالأول موجد النظام والقاعدة والآخر محافظ النشاط ومبدعه وهذا هو الدين الذي يناسب أمة خلقت لتعمل.
إن تأخر سن البلوغ في شبان الانكليز وعفة النساء الانكليزيات وتعدد الأسر والبيوت كل ذلك من أخلاق الانكليزي الحديث كما كان قديما من خصائص أخلاق الجرمانيين سكان انكلترا الأصليين. وامتازت الأمة الانكليزية من بين الأمم بأنها ظلت متجانسة ولم تمتزج بغيرها فالانكليز وهم أهم عنصر تتألف منه انكلترا هم جرمانيون من بلاد الشمال ومن أجداد الجرمانيين انكليز وجوت وسكسونيون وكلهم من عنصر ألماني والذين جاؤوا بعد لاستيطان انكلترا مثل الدانيماركيين والنورمانديين هم فروع تشعبت من نفس تلك الدوحة
وإن ما يرى من شدة بأس الانكليز وقوة عضلاتهم يذكرنا بما قاله اميرسون فيلسوف اميركا (قالت الطبيعة: قد أفنى الزمان الرومانيين ومحا اسمهم من سجل الوجود وإني أريد أن أؤسس مملكة جديدة وسأختار عنصرا شديد الشكيمة كلهم ذكور ولكنهم بأجمعهم ذوو قوة وحشية فمن ثم لا أعارض فيما أرى من المنافسة بين الذكور القساة المتبربرين الا فليدخل الجاموس قرنه في رأس الجاموس الآخر فيبقى المرعى لأكثرها قوة فأنا لي عمل أريد إتمامه يحتاج إلى إرادة وعضلات). وهؤلاء هم الانكليز الذين لا يمتزجون خارج بلادهم بغيرهم من الأمم ولكنهم في أرضهم أكثر الأمم حرية وأكثرها إكراماً وأيسرهم لقبول الغرباء ليست انكلترا جزيرة بل هي قارة فما من أمة اشتبهت في أفكار ومنازع تأتيها من