للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوربا نفسها سوى انكلترا ولطالما اقتدت بالبلاد الأخرى ولكن كان اقتداء موقتاً كأنه للتسلية أو هو سطحي كأنه زي من الأزياء أما سواد الشعب فلم يمس بشيء في منازغه بل ظل مخلصا لأخلاقه الأولية وبالجملة فقد كانت دواعي الاختلاط قليلة جداً بين الانكليز وغيرهم ولاسيما عامة الأمة فالانكليزي أشبه بساكن الولايات في أوربا وفكره كالشراب بقي زمنا في مأمن من الاهتزاز فخثر وكثف ولم تعد له تلك الميوعة التي تؤهله إلى الاختلاط بشراب آخر.

وكان لهذه الصيغة الخاصة وقلة الرقة في الأخلاق الانكليزية نتيجة مهمة شوهدت في كيفية الاستعمار البريطاني ونتائجه. فما قط تمازج العنصر الانكليزي بغيره من العناصر في البلاد التي أخضعها لسلطانه فهو كالمعدن البعيد جداً عن نقطة التذويب فلا يتأتى أن يجعل منه أدنى مزج وما قط ساووا بأنفسهم تلك الشعوب التي افتتحوا بلادها وما تلطفوا في استمالة قلوبهم فلم يعرفوا إلا أن يظلموهم ويستنزفوا مادتهم ويدوسوهم أو يفنوهم.

أبان الانكليز أيضا عن عدم كفاءة في فهم مناحي العناصر المنحطة وأن يتقربوا إليها ليأخذوا بأيديها ويقوموا ناهضين وإياها بما عاملوا به ايرلندا من المعاملة السوأى ومثل ذلك يتجلى في إدارتهم الهند ومصر. فالانكليز يأتون تلك الشعوب بثروة مادية ونظام وأمن وغنى فترى سلطتهم في بلاد الهند مثلا على أحسن طريقة ونظام مدقق قوامه الحشمة والأدب وهم فيها بعد قرن من الزمن لم يخرجوا عن كونهم أناساً جفاة لا يألفون ولا يؤلفون وكلما طال العهد عليهم تراهم في أرضها غرباء والأصوات تعلو للخلاص من ربقتهم. وإن يوماً يغادرون فيه البلاد المستعبدة لعزيز على نفوس أهليها ولو ذهبت بذهابهم الرفاهية والسلام.

فحكم الانكليزي منهك لقوى العناصر المنحطة وهو استبدادي وكثيراً ما يكون قتالاً في البلاد التي يكون فيها للأهلين مجال معهم ولا يدانوهم بنشاطهم وإراداتهم لأن هؤلاء الفاتحين لم يرزقوا حظاً من تليين وصابتهم وتطبيقها على الصغار والضعاف بل لا يتمثلون ولا يعنون بغير إخوانهم والمساوين لهم.

نعم الانكليزي أكثر الأمم إغراقاً في الابتعاد عن الناس والعزوف عن مجتمعاتهم فهو يشعر بأنه أقل من غيره علاقة بالمجتمع البشري وقلما يقتبس من صلاته مع غيره شيئاً يستفيد