به في تركيب أخلاقه وقلما يبحث عما يفكرون به وإذا بحث فبحثه مجرد لا يدخل نتيجة في عواطفه وأعماله هو ناسك بعيد عن العالم وعن غيره من الأمم بل هو بعيد عن جاره الذي يساكنه في حي واحد والمحيط الذي يعيش فيه وما يشعر فيه بنفسه قلما يكون نسخة بسيطة مما يراه في الخارج فخلقه هو مثل ثمرة كبرت تحت القشرة في نوع من الصدف فهو لا يثمر كقشرة الخوخة وما يمر عليها من مجرى الشمس لا يزيدها اصفراراً ولا احمراراً.
الانكليزي لا يشعر بأقل ضجر من العيش وحده ولا يجد حاجة أن يقص ما عمله على غيره ولا يسوقه سائق نفسي أن يقف على ما يعمله غيره فهو فيما خلا الشؤون التي تمسه مباشرة لا يهتم إلا بما له علاقة بالمسائل الوطنية العامة التي تمسه ولكن لا مباشرة بل من طريق وطنيته، يقول إميرسون: إنك تحسب الانكليزي إذا اجتمع مع الأجانب أخرس فهو لا يصافحك ولا يتركك تنظر ما في عينيه في الفندق ويلفظ اسمه بحيث لا يسمع فكل واحد من هؤلاء الجزائريين جزيرة بعينها ويقول مونتسكيو: يصعب على الفرنسيس أن يكون لهم أحباب في انكلترا وكيف يحب الانكليز الغرباء عنهم وهم لا يحبون أنفسهم وانى يعطوننا ما نأكل وهم لا يتواكلون، يجب أن نجري على خطتهم فلا نهتم بأحد ولا نحب أحداً ولا نعتمد على أحد.
ومن الغريب أن هذه الأمة العازفة عن العشرة البعيدة عن الاختلاط تراها في أمورها الداخلية من أكثر الأمم ميلاً إلى الاشتراك وما حديث أنديتها ومجامعها وشركاتها المالية بخاف عن أحد، وقد شرح فولني العالم الفرنسوي سر نجاح الانكليز في الزراعة والتجارة والصناعة بقوله: إنهم بالسكوت يجمعون أفكارهم ويتفرغون إلى التدبير والتقدير على ما ينبغي ويحسبون دخلهم وخرجهم وبصفو فكرهم أكثر وينبعث كلامهم جلياً ومن هنا كان التدقيق والرواء رائد جميع أعمالهم العامة والخاصة وقال كارلايل الفيلسوف الانكليزي: الانكليز شعب أخرس، ثم شرح هذه العبارة بقوله: إن السكوت يزيد في علاقتهم ونظامهم مع ما يبين عنه اللسان، الانكليزي يميل إلى الاختفاء ولا يهمه الظهور يهمه تجويد العمل من حيث هو عمل نافع ولذلك ترى جرائد انكلترا لا يوقع كتابها على مقالاتها وهي مع هذا أرقى من جرائد فرنسا التي يوقع كتابها على مقالاتهم ليقال عنهم أنهم كتبوا ومن آثر