إن كان من خلق الانكليزي الإقدام على العظائم فإن حب الجديد والذوق في المجهول ليس فيه إلا على ضعف أيضاً فالانكليزي يبقى انكليزياً ويعيش عيشاً انكليزياً حيثما ينزل، والانكليزي أقل من الفرنساوي والايطالي في اليأس من النجاح وأكثر منهما هزؤاً بالمتاعب والمخاطر لعلمه بأن لها حداً تقف عنده ولا بد من حل مشكلاتها وقلما تراه يحسب حساباً لنكد الطالع فترى الشاب يتزوج من فتاة وهو في مقتبل العمر ولا يطالبها ببائنة (دوطة) بل يقترن بها بلا مهر ويقدم على تأسيس أسرة فيزيد نفقاته ثلاثة أضعاف ماكانت عليه والصانع يقدم على إدخال إصلاح في عمله بجرأة ويتخذ وسائط النجح وهو يعلم أنه لا يلبث أن يتم إصلاح مصنعه حتى يقوم صانع آخر ينافسه ولكنه يكون استفاد من الفترة بين إصلاحه وإصلاح منافسه وترى المهاجر منهم لا سبد له ولا لبد ومع هذا ينزح ويرزح تحت أثقال المتاعب وهناك سبب آخر وأعني به الهوى في العمل أوالتجنن فيه وفي الحركة والذوق في العمل من أجل أنه عمل وكل ذلك مما تقتضيه حالته الطبيعية، وإنا لنرى المرسلين منهم يتغربون في الأرض ولا يخافون بل يتعزون بما يتم على أيديهم في الأقاصي وينامون ملء جفونهم شاكرين ويعملون أعمالاً في السر ابتغاء وجه الله.
ومن خلق الانكليزي أنه متشدد في الاحتفاظ بالحالة الحاضرة فأرباب العقول الغربية في تصورها كثيرون ولكنك لا ترى فيهم أحداً يميل إلى الثورة وقد اشتهرت انكلترا بأنها بلد التقليد المستعصية حتى على التبديل اللازم وثلاثة أرباع سكانها لا يشعرون بالحاجة إلى إدخال تعديل في القوانين والأخلاق والربع الآخر يقبل بالتبديل في بعض أحوال مخصوصة ويتعلق بها ويلاحقها بنشاط ولذا رأينا الشعب الانكليزي قد جالد لأول وهلة ريثما أدخلت عليه أساليب الارتقاء حتى المادي منه فلما دخله صار في لحمه وعظمه وهكذا شأن الأمة العظيمة تتشدد في تقاليدها وتستنكف في الغالب عن قبول كل جديد إلا إذا ثبت لها ما ينقضه ثبوت الشمس والقمر.
مهما بلغ من انحطاط مكانة الرجل الانكليزي في المجتمع ومهما بلغت حرفته من الامتهان لا يحسد من كان أعلى منه منزلة وله من عمله الذي يستمتع بمدافعه أعظم سلوى ولذلك قل إن مالت الطبقة العاملة في انكلترا إلى تغيير نظام الإشراف في المجتمع وذلك لاعتقادها