للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأن الأعمال مقسمة لأن الحظوط متباينة، وبينا ترى فرنسا تقول للوزير كن فكان مهما كان وضيعاً وللنائب كن نائباً فكان مهما كان منحطاً في أصله وللشريف كن شريفاً فيكون تجد انكلترا لا تسمح لوضيع أن يعد في جملة العظماء إلا بعد ثلاثة أجيال وذلك على نظام وترتيب تدريجي لعلم القوم بأن الطبيعة في انكلترا لتأخر في كل شيء ولذلك اقتضى أن يكون ارتقاء الناس كذلك.

من خصائص الانكليزي أنه يشبه ميكانيكياً تعلم علم الحيل (الميكانيك) بالتجربة لا بالنظر فتراه مهتماً أن ينتج بما له من آلة ما أمكن من النتائج ولا يحرص على تبديل محركها وأدواتها لعلمه بأنه إذا فعل ذلك اقتضى عليه أن يوقف العمل وأن يبذل بلا نتيجة وقتاً واهتماماً من رأس ماله المحدود وهو يدرك بأنه إذا حدث للآلة ما يضر سيرها تقف حيناً وتنقطع فائدته وفائدتها ولذلك يجد من نفسه داعياً إلى القبول بتعديل آلة على أن يغير أدواتها القديمة بأدوات جديدة ولكن بدون أن يوقف الآلة ويقلل من مغلها.

يعتقد الانكليز بالضعف البشري ويشعرون بضرورة أخذ الأمور بالتدريج والبداءة بها من الصغير للوصول إلى الكبير حتى لا تقف القاطرة في هذا الجهاد وتتهور في منحدر لا تقوم منه فهم في شرائعهم يكتفون بتعديلها وإصلاحها مع الزمن وما قط حدثتهم أنفسهم أن يضربوا بما لديهم عرض الحائط ويضعوا غيرها من عند أنفسهم، ولكن الانكليزي مع هذا إذا رأى الخير في تعديل قانونه يصر عليه فقد رأينا أصحاب الصحف على عهد الإصلاح البرلماني الكبير قد صعب عليهم أن يصدروا منشوراتهم النفعة لأنه قضي عليهم أن يدفعوا عن كل نشرة طابعاً فاجمعوا أمرهم على أن يصدروها بدون طوابع فغرمتهم الحكومة وحبستهم ولكن جرائدهم ومنشوراتهم ظلت تصدر على عادتها بدون طوابع وأصروا الا برفعها فمضت أربع سنين على هذه المسألة وقد حبس لأجلها زهاء خمسمائة رجل ثم اضطرت دار الندوة أن تجيب الطلب وإن كانت الحكومة تضررت من هذا القسم المهم في الميزانية.

يعمل الانكليزي حباً بالعمل نفسه على حين يعمل غيره من الأمم لإحراز الثمرة التي تعقب الشرف أو الراحة أو الرفاهية والدليل على ذلك ما نراه في أهل الطبقة العالية منهم ممن لهم من ثروتهم ما يعفيهم من تعاطي أي عمل كان، نراهم يصرفون نصف أيامهم في