إن أمام المصلحين وخاتم النبيين الذي نحتفل بعيد هجرته الشريفة اليوم لاقى كذلك فوق ما يلاقيه كل مصلح للهيئة الاجتماعية وعانى من أهل الحسد والبغضاء من بني عمه وغيرهم ما لم يعانيه نبي من قبل ومع هذا فقد كان منذ بعث إلى أن هاجر صابراً على الأذى لا يفتأ يدعو قومه إلى الإسلام ويعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج ويدعوهم إلى دينه وحمايته من حسد قومه ليتمكن بعد المنعة من بث الدعوة ونشر دين الهدى والحق ووضع قواعد الترقي الاجتماعي على أساس مكين.
لكن الذين يريدون الحقيقة نفسها ويقبلون الحق لأنه حق قليلون في البشر لا سيما في ذلك العصر وفي قوم حالهم من الجهالة معروف لذا لم تصادف دعوته قبولاً إلا من جماعة قليلين من قريش وغيرهم إلا أنه كان فيمن اتبعه من قريش مفر من وجوههم وأهل المكانة والعقل فيهم مثل أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأشباههم من السابقين الأولين وصناديد قريش الذين أيدوا الدعوة المحمدية ورفعوا بعد ذلك شأن الأمة العربية بل شأن الشرق كله على وجه بهر أنظار العالم وقلب نظام الاجتماع في كثير من أنحاء الأرض على ما تعلمون.
كان في إسلام هؤلاء ما يكفي أن يثير غيظ قريش وغضبهم وخوفهم على أوثانهم فاشتدوا في اضطهاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فألجأوه في نهاية الأمر للهجرة إلى المدينة مع ذلك النفر من المؤمنين.
وذلك بعد أن دعا جماعة من الأوس والخزرج من سكان المدينة إلى الإسلام في أحد المواسم سنة عشر للبعثة وجاءه في السنة القابلة والتي بعدها جماعة منهم ببيعة قومهم فبايعوه بيعة العقبة الثالثة وقيل هي الثانية واستوثق له منهم عمه العباس بن عبد المطلب فأقسموا على نصرته وعاهدوه على تأييد دعوته ثم نصروه بالقول والفعل وسموا بعد ذلك أنصاراً ونعم هذا الاسم وحبذا الفخر بنصرة الحق والحقيقة والعدل.
أمر بعد ذلك أصحابه بالهجرة إلى المدينة فأخذوا يهاجرون ارسالا إلى جماعات مستخفين إلا بطل قريش وأشجع شجعانهم المهاجر بدعوة الحق رغماً عن أنوف المكابرين فخر الأمة الإسلامية بل فخر التاريخ عامة عمر بن الخطاب فإنه أعلن هجرته وخرج مهاجراً على