للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ملاء جبابرة قريش فلم يسعهم منعه أو الوصول إليه بسوء.

اتصل بعد ذلك بالنبي خبر تآمر قريش على قتله فاتفق مع صاحبه أبي بكر على الخروج في نفس تلك الليلة التي عينوها لقتله وترك على فراشه علياً ابن عمه وخرج والقوم يرصدونه فزاغت أبصارهم عنه وأنقذه الله منهم رحمة بالإنسانية وإنقاذاً لكثير من الأمم من ظلمات الشرور.

وكان خروجه عليه السلام في مثل هذا اليوم المبارك ومن جميل المصادفات أنه كان يوم الاثنين كيومنا هذا الذي نحتفل فيه وذلك سنة ثلاث عشرة للبعثة فسلمه الله وصاحبه من كيدهم وبلغ مأمنه بسلام في قصة طويلة معروفة في التاريخ.

هذه أسباب الهجرة فما هي نتائجها الأدبية؟

عجيب أيها السادة أمر هذا الإنسان القوي الضعيف بينما يتطال أحياناً إلى أن يتناول بمداركه كل ما تحت السماء ينحط حيناً حيناً آخر إلى حضيض الغبراء، فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما كان يريد حياة هؤلاء القوم ولكنهم كانوا يريدون قتله فما هذا التباين العظيم وكيف بلغت بهم قوة التمييز من الضعف هذا الحد؟

أريد حياته ويريد قتلي ... ولو علم الحقيقة ما أرادا

نعم جهلوا حقيقة النبي لا لنقص في ذكائهم الفطري واستعدادهم لقبول الفضيلة لأن ما ظهر منهم بعد بضع سنين من ذلك التاريخ يؤيد أنهم كانوا أذكى الشعوب وأعظمها قابلية للخير والفضيلة لكن الانصراف لعبادة الأوثان يدعو من طبعه للانصراف عن التفكر في خالق الوجود ويوجد الكمال في الطبيعة فيقف بالفكر عند حد محدود من التصور ويصده عن درك كثير من الحقائق عند عرضها عليه أو مفاجأته بما لم يألفه منها وهكذا كان شأن قريش والعرب عامة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر.

ولقد تحقق بعد لقريش وللعرب والناس كافة أن سلامة النبي من غائلة قريش في ذلك اليوم واستقرار الدعوة في مدينة يثرب هو مبدأ سعادة قريش أنفسها وسعادة مئات الملايين من البشر ونهاية القضاء في قسم عظيم من الأرض على عبادة الأوثان وعلى سلطة أفراد من سدنة الهياكل وكهنتها، سلطة لا حد لها لا على النفوس فقط بل على الضمائر والعقول أيضاً، أقول على الضمائر والعقول لأن احتكار العلم الذي يراد به احتكار السيادة الدينية ما