للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأنها كانت الصلة المتممة لترقي الإنسان وترقي المدنية بما مهدته لعلماء أوروبا من سبل المدنية الحديثة.

عجيب أمر هذه الأمة أيها السادة ولقد يكاد يظن القارئ لإخبارها أن رقيها السريع من الخوارق وما هو كذلك بل هو نتيجة الإفراج عن العلم وإخراجه من بين أسوار الهياكل وجعله مشاعاً مشتركاً بين الناس يتناول عقل كل فرد نصيبه منه وحقه أن يتناول ذلك ما دام العلم ثمرة من ثمرات العقل.

عرف المسلمون في إبان مجدهم ومدنيتهم هذه القاعدة وحرصوا على مبدأ الاشتراكية العامة فلكي لا يكون العلم محتكراً لطائفة أو قاصراً على فريق دون فريق تغالوا في إنشاء المدارس المتنوعة بتنوع المشارب والعلوم تغالياً لم تجارهم في أمة من قبل فجعلوا مدارس لتلقي علم الحديث سموها دور الحديث ومدارس لفروع الشريعة على عدد المذاهب فمدارس الشافعية غير مدارس الحنفية ومدارس المالكية غير مدارس الحنابلة ثم مدارس الحكمة التي يدرس فيها الطب والفلسفة والرياضيات والفلك وغيره من العلوم الحكمية وكانت أكثر هذه المدارس داخلية ذات غرف يأوي إليها الطلبة ولم يكن التعليم فيها مجاناً فقط بل كان للطلبة فوق ذلك جرايات ومرتبات تغنيهم عن العمل لغير العلم.

ومن أدلة تغالي هذه الأمة في إنشاء أمثال هذه المدارس كتاب خطي موجود في مكتبتي اليوم في نحو ألف صفحة وهو خاص بمدارس دمشق وحدها من القرن الخامس إلى التاسع وفيه تاريخ مائتي مدرسة أو تزيد على ذلك منها ثلاث مدارس طبية أنشئت في عصر واحد في مدينة واحدة من المدن الكبرى الإسلامية كحلب والموصل وبغداد وسمرقند والقاهرة وتونس ومراكش وطليطلة وإشبيلية وغرناطة وغيرها من المدن الشهيرة التي كانت تفيض أنوار العلم والمدنية على الشرق والغرب.

أما تأثير هذه المدارس وعلوم العرب وآدابهم التي كانت تدرس فيها في أهل الغرب وعلوم المدنية الحديثة فمما لا يتسع لذكره هذا المقام ويكفي فيه شهادة علماء الافرنج أنفسهم فإذا سمحتم لي أتلو عليكم شيئاً من شهادة عالم محقق كبير من علماء أوروبا فيما للعرب من الفضل على المدنية وهو العلامة سديو صاحب تاريخ العرب.

قال هذا النصف المحقق في مقدمة كتابه المذكور بعد أن أثنى على أخلاق نبينا وعمله