للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العامة الصحيحة التي مبناها أن العقل رأس مال كل فرد فمن حق كل فرد أن يتناول من العلم ما استطاع ليتساوى مع أخيه في الاشتراك بمرافق الحياة.

وهذا هو السر في أن المدنية العربية كانت أرقى مدنية سبقتها وأن العرب فعلوا في قرنين ما لم يفعله غيرهم في قرون وكانوا أسرع الأمم سيراً في سبيل المدنية وتبسطا في الحضارة فما لبثوا بفضل الإسلام جيلاً وبعض جيل آخر حتى نشروا سيادتهم ودينهم ولغتهم في أحسن أجزاء المعمور ولما توطدت لهم دعائم على عهد الدولتين دولة الخلفاء الراشدين ودولة الأمويين وقبضوا على زمام السيادة السياسية في معظم الممالك القديمة صرفوا عنايتهم للأخذ بأزمة السيادة العلمية فلم يكفهم ما كتبوه واشتغلوا به من علوم الشريعة والأدب واللغة والتاريخ وسائر فنون العربية بل اهتموا بترجمة كتب اليونان في الفلسفة والفلك والهندسة والكيمياء والطبيعة وغيرها فكان اهتمام عامتهم بنقل هذه العلوم إلى اللغة العربية كاهتمام خاصتهم وخلفائهم ووزرائهم فكما كان الخليفة المأمون يعطي حنين بن اسحق المترجم عن كل كتاب ينقله إلى العربية زنته ذهباً مثلاً بمثل ما كان بنو موسى بن شاكر المهندسون وهم من عامة الشعب يعطونه كل شهر خمسمائة دينار من أجل الترجمة هذا فضلاً عما كانوا ينفقونه من الأموال على الكتب التي كانوا ينفذون في طلبها من بلاد الروم والأصقاع البعيدة بالثمن الباهظ.

وكما كان كذلك محمد بن عبد الملك الزيات الوزير ينفق على المترجمين من ماله الخاص نحو ألفي دينار في الشهر وكثيرون غير هؤلاء من الخلفاء والوزراء والعلماء من كانوا ينفقون على استحضار كتب العلم وترجمتها.

لم يقف بهم الأمر عند هذا الحد من تعلم العلم وتعليمه ونشره عملاً بأوامر صاحب الهجرة وواضع أساس المدنية الصحيحة عليه الصلاة والسلام بل عمدوا إلى تأسيس المدارس فأنشأ العباسيون أول كلية جامعة في بغداد على عهد الرشيد والمأمون سميت دار الحكمة وكانت تدرس فيها سائر العلوم الحكمية كالفلسفة والطب والكيمياء والهندسة والفلك وغيره ثم المدرسة النظامية ثم المستنصرية في بغداد أيضاً وحذا حذوهم في ذلك الأمويون في الأندلس والفاطميون في مصر حتى وصلوا سلسلة المدنية المنقطعة من عهد سقوط دولة الرومان بحلقة من المدنية العربية كان لها الفضل العظيم على العالم المتمدن لهذا العهد