إذا أفتى بشيء ثم رجع عنه فإن أعلم المستفتي برجوعه ولم يكن عمل بالأول لم يجز العمل به وإن كان عمل قبل رجوعه فإن خالف دليلاً قاطعاً لزم المستفتي نقض عمله ذلك وإن كان في محل اجتهاد لم يلزمه نقضه لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد وهذا التفصيل ذكره الصيمري والخطيب وأبو عمرو واتفقوا عليه ولا أعلم خلافه ويلزم المفتي إعلامه قبل العمل وكذا بعده حيث يجب النقض وإذا عمل بفتواه في إتلاف فبان خطؤه وأنه خالف القاطع فعن الاستاذ أبي اسحق أنه يضمن أن كان أهلاً للفتوى ولا يضمن إن لم يكن أهلاً لأن المستفتي قصر كذا حكاه الشيخ أبو عمرو وسكت عليه وهو مشكل وينبغي أن يخرج الضمان على قولي الغرور المعروفين في باب الغصب والنكاح وغيرهما أو يقطع بعدم الضمان إذ ليس في الفتيا إلزام ولا إلجاء.
(الثالث)
يحرم التساهل في الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه فمن التساهل أن لا يتثبت ويشرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر فإن تقدمت معرفته بالمسؤول عنها فلا بأس بالمبادرة وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة طلباً للترخص لمن يروم نفعه أو التغليظ على من يريد ضره وأما من صح قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها ليخلص من ورطة يمين ونحوها فذلك حسن جميل عليه يحمل ما جاء عن السلف من نحو هذا كقول سفيان (إنما العلم الرخصة من ثقة) وأما التشديد فيحسنه كل أحد ومن الحيل التي فيها شبهة ويذم فاعلها الحيلة في سد باب الطلاق.
(الرابع)
ينبغي أن لا يفتي في حال تغير خلقه وشغل قلبه بما يمنعه التأمل كغضب وجوع وحزن وفرح غالب ونعاس أو ملل أو حر مزعج أو مرض مؤلم أو مدافعة حدث وكل حال شغل فيه قلبه ويخرج عن حد الاعتدال فإن أفتى في بعض هذه الأحوال وهو يرى أنه لم يخرج عن الصواب جاز وإن كان مخاطراً فيها.