والبنادقة والبيزانيين وبعد وقعة حطين سقطت عكا بيد صلاح الدين وفي سنة ١١٨٩ حاصرها من البر الملك كي دي لوزنيان ومن البحر اسطول بيزاني واستولى عليها ريشاردس قلب الأسد ملك الانكليز سنة ١١٩١ م فأصبحت من ذاك الحين الجادة العظمى للنصرانية في فلسطين وكانت معسكر الفرسان ودعوها باسم إحدى فرقهم وكانت تدعى القديس يوحنا فقالوا عنها وفي سنة ١٢٩١ استولى عليها الملك الأشرف بعد مقاومة شديدة فقضى بالاستيلاء عليها على سلطة الافرنج من هذه البلاد، فبقيت عكا أهم ميناء ينزل فيه حجاج الغربيين إلى الأرض المقدسة وفي حوالي منتصف القرن الثامن عشر استولى الشيخ ظاهر العمر على الجليل الأسفل وعلى جزء عظيم من الجليل الأعلى واتخذ عكا مقر إمارته فعادت إليها نضرتها وخلفه في الإمارة أحمد باشا الجزار الذي وسع حدود إمارته فامتدت شمالاً إلى نهر الكلب وبعلبك وجنوباً إلى قيسارية واشتهر بمبانيه التي جلب لها المواد من عسقلان وقيسارية وغيرهما، وبدأ الفرنسيس سنة ١٧٩٩ يحاصرون عكا وبعد ثماني وقائع سألت فيها الدماء إلى الأباطح اضطر نابوليون أن يرجع عنها واستولى ابراهيم باشا سنة ١٨٣٢ على المدينة فنهبت وخربت ولكنها عادت فنهضت من كبوتها وفي سنة ١٨٤٠ خربت الأساطيل الانكليزية والنمساوية ثغر عكا فخرب بذلك كل أثر من آثارها القديمة ثم تعاقب الخراب الاقتصادي عليها فكانت تجارتها رائجة لأنها كانت سوق الحبوب التي ترد إليها من الداخلية ولا سيما من حوران فسقطت من هذه الوجهة خصوصاً لما قامت بعد موانئ سورية مثل بيروت وطرابلس وحيفا ويافا تنازعها في مكانتها وأنشئت سكك حديدية ربطت معظم هذه الموانئ بالمدن الداخلية وبقيت عكا في نجوة من الأرض ضعيفة في تجارتها وهاجرها كثير من أهلها ومنهم أناس من كبار تجارها وأرباب الأملاك بها.
وقفنا على سورها نطل على ثغر عكا الذي اهرقت في سبيل الاستيلاء عليها دماء غزيرة ذاك السور الذي أعجز بمناعته صلاح الدين وجيوشه وتدبيره فارتد عنها غير ما مرة وأهرق الصليبيون دماءهم في بسط أيديهم عليها ثم زحزحوا عنها بعد وقائع تشيب لهولها الرؤوس وهكذا طمح فيها الفاتحون لأنهم كانوا يعتبرونها مفتاح سورية، ولطالما كانت عكا ترمي من برها وبحرها بالقذائف والنيران وكانت مجزرة يهلك فيها الإنسان.