للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقفنا على أسوارها ننظر إلى المدينة التي أعجزت الملك الناصر والملك الظاهر بونابرت ونتأمل في أرباضها القاحلة اليوم وكم جثة دفنت فيها وفي بحرها وهو يحدجها بعينه الزرقاء كم ابتلع من أسطول بما فيه، وقفنا وفكرنا ملياً في حال البشر يقتتلون على بسط سلطانهم وتكبير رقعة بلدانهم ويرتكبون كل منكر في سبيل المجد والفخار رأيناهم في القديم يقتتلون بحجة دينية واليوم هم كذلك ولكن حجتهم مدنية وإنسانية وما المقصود في الواقع ونفس الأمر إلا الاستيلاء والتغلب وتوسيع نطاق الحكم والسلطان.

فوقفنا على أسوار عكا نندب في نفسنا الضعف البشري وقد استولى على النفس جلال ذلك البلد وذكرنا أرواح الخلق تباع في كل عصر بيع السماح ولو أردنا أن نأتي هنا على لمعة من تاريخه لاقتضى له مجلد برأسه، وهاك الآن نموذجاً واحداً بما جرى لأجلها في القرون الوسطى قاله أبو الفدا حاضرها بنفسه: إن السلطان الملك الأشرف سار بالعساكر المصرية إلى عكا وأرسل إلى العساكر الشامية وأمرهم بالحضور وأن يحضروا صحبتهم المجانيق فتوجه الملك المظفر صاحب حماة وعمه الملك الأفضل وسائر عسكر حماة صحبته إلى حصن الأكراد وتسلمنا منه منجنيقاً عظيماً يسمى المنصوري حمل مائة عجلة ففرقت في العسكر الحموي وكان المسلم إلي منه عجلة واحدة لأني كنت إذ ذاك أمير عشرة وكان مسيرنا بالعجل في أواخر فصل الشتاء فاتفق وقوع الأمار والثلوج علينا بين حصن الأكراد ودمشق فقاسينا من ذلك بسبب جر العجل وضعف البقر وموتها بسبب البرد شدة عظيمة وسرنا بسبب العجل من حصن الأكراد إلى عكا شهراً وذلك مسير نحو ثمانية أيام للخيل على العادة وكذلك أمر السلطان الملك الأشرف بحر المجانيق الكبار والصغار ما لم يجتمع على غيرها واشتد عليها القتال ولم يغلق الافرنج غالب أبوابها بل كانت مفتحة وهم يقاتلون فيها وكان يحضر إلينا مراكب مقبية بالخشب الملبس جلود الجواميس وكانوا يرموننا بالنشاب والجروخ وما زالوا بها حتى فتحت وكان في داخل البلد عدة أبرجة عاصية بمنزلة قلاع دخلها عالم عظيم من الفرنج وتحصنوا بها وقتل المسلمون وغنموا من عكا شيئاً يفوق الحصر من كثرته ثم استنزل السلطان جميع من عصى بالأبرجة ولم يتأخر منهم أحد فأمر بهم فضربت أعناقهم عن آخرهم حول عكا ثم أمر بمدينة عكا فهدمت إلى الأرض ودكت دكا ومن عجائب الاتفاق أن الفرند استولوا على عكا وأخذوها من صلاح