والتجارات وغيرهم من طلاب المال والغنى لا يعيشون مهما بلغوا من الذكاء إلا للثروة ولذلك تكون منزلتهم في الأنظار دون العاملين بأفكارهم وعقولهم.
يقولون أن العلم لا ينجح إلا بإطلاق الحرية للمتعلم يتعلم على ما يشاء وللمعلم يعلم كما يشاء وهذا موجود في الجملة في الكليات الألمانية فإن الأستاذ وإن كان أمر تعيينه يرجع إلى الحكومة وتتحكم هذه في اختيار من يعرضون عليها فهو لا يعيش من رواتب تؤديها إليه الحكومة بل أنها تدفع له جزءاً صغيراً والباقي يتكفل به الطلبة فيدفعون أجور الدروس التي يحضرونها والطلبة لا يفحصون آخر السنة بل هم أحرار وعمدة الكليات مستقلة تدبر شؤونها بذاتها وينظر في انتخاب الأستاذ إلى قيمة ما يحسنه من العلم لا إلى ما يمتاز به من صفات التعليم مثل جودة الإلقاء وسهولته والمعلم لا يتعب في إلقاء دروسه لأنه يعلم تلاميذه بالعلم أكثر من النظر.
وفي ألمانيا طبقة من الأساتذة مستقلة عن الحكومة كل الاستقلال ولهم الحق أن يدرسوا في الكلية التي يريدونها ويقبضوا من طلبتهم أجور دروسهم ويختاروا موضوعات مسامراتهم ومحاضراتهم ويشرعون وينتهون من دروسهم في الأوقات التي يختارونها وترى الطالب في الكلية لا يحتاج لشيء سوى أن يدفع المخصص لها وسواء حضر أم لم يحضر تعلم أم لم يتعلم لا يسأل عن عمله ويكاد لا يفحص إلا في بعض المواد القليلة كما أنه حر في الدروس التي يختارها.
يعلم الألمان أن إطلاق الحرية للطالب على هذا النحو لا يخلو من حمله على الكسل ولكن يرون أن لها فوائد أخرى فإن الطالب يكون قد قضى في المدارس الابتدائية والوسطى نحو عشر سنين تابعاً لنظامها المدقق حتى إذا بلغ العشرين أو نحوها كان حرياً في الحلية أن يتعلم كيف يعمل بنفسه ويحبب إليه عمله بدون سائق يسوقه وكيف يوجه وجهته ويحدد رغبته في التعلم فيعمل على ذوقه برضاه لا مدفوعاً بسائق فحص يجب عليه أن يتخطاه، فالكلية الألمانية تضمن للطالب فيها تهذيب العقل من جهة وتربية الإرادة والخلق من جهة أخرى وذلك بإطلاقها حرية طالبها فنعامله معاملة رجل حر عاقل له حق التصرف بأحواله ولسان حالها اعمل ما يروقك واعلم فقط أنك ستجني ما زرعت.
كثير في الأغاني الألمانية ما يشير إلى أن حرية الطالب أثمن شيء وأنها من أوصافه