عزة النفس فلا يقول لشيء لا أستطيع عمله ومنذ السنة الخامسة يرفض أن يلبسه ثيابه أحد أو يسرح شعره ويمشطه ويهندمه أحد فيكون مسؤولاً عن عمله وتنمو فيه قوة الإرادة والشعور بالنظر كما ينمو فيه الإحساس الديني والكمالي والاحترام والحشمة وبالجملة ترتقي فيه التربية قبل أن يهتم بالتعليم.
فإذا خرج الطفل من هذه المدرسة ويدخلها وهو بعد الثانية من سنه في الغالب ويخرج منها بعد السابعة يحسن أن ينظم أموره لأنه تعلم منذ نعومة أظفاره الطاعة والنصيحة فلا يصعب عليه متى دخل المدرسة أن يتلقى بقبول حسن ما يلقيه عليه معلمه أو يفزع إذا جاء من بيته إلى المدرسة الابتدائية مباشرة بل يكون بحسب سنه قد ألف البحث والتفكر والنظر والتأمل في الأشياء ويجمع معلوماته ويصل بينها برباط وأحد وربما كانت بهذه الطريقة أفكاره قليلة ولكنها إلى الجلاء والوضوح أميل وفيها تسلسل معقول.
ويحسن الولد التفكر وحصر ذهنه وهو ما ينفعه عندما يجيء دور تعليمه القراءة فلا يستصعبها ويمل منها بل تكون له ميسورة سهلة سريعة ويحصر الذهن في موضوع يتعلم الولد الاهتمام بالأشياء المحيطة به أو التي تمسه مباشرة فهو يعرف الوجود ويحبه ويقدر نعمه قدرها ويذكر صانعها وتكون قد تنبهت حواسه وترقت وكذلك رغبته في النظر والمعرفة وبهذه الطريقة تقوى إرادته وتمهر يده وبما يتعلمه من الهندسة الابتدائية العملية يقدر بذهنه الأبعاد والخطوط ويسهل عليه النسب وبالرسم يتعلم نقل الصور المستعملة في البيت ويدرك بنفسه أنه لا يستطيع أن ينقلها كما هي ويبحث عن طريقة توصله إلى نقلها كما هي ويتعلم ملاحظة الأشكال وتقليدها وبذلك تتربى عينه ويده في آن واحد، ولا تسل عما تحدث هذه الطريقة عندما يجيء وقت الكتابة إذ تكون يده أعادت رسم الأشكال وما الحروف إلا أشكال ولكنها لا تنطق كالرسوم وعينه تساعد يده وكم ولد يرسم الحروف والكلمات التي يراها وهو يتعلم على هذه الطريقة بدون أن يفهم معناها، وتعلم الكتابة لا يتعب به عقله ولا جسمه بل يتعلمه كأنه يلعب ويرسم.
قالت الكاتبة فمدرسة حديقة الأطفال هي مدرسة التربية وعليها يصدق هذا التعريف: التربية هواء وقانون وحياة.