نفوس الأمة من العلل، وهذا مما تحكم به بداهة العقل وهو عنوان الحكمة التي قامت بها السموات والأرض وثبت بها نظام كل موجود، وكل من تتبع تواريخ الأمم وكان بصير القلب علم أنه ما انقلب عرش مجدها إلا لتفويض الاعمال لمن لا يحسن القيام عليها ويض الأشياء في غير مواضعها إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
حكم الاشتراط في الفتوى أن تكون على مذهب معين
يستفاد هذا مما أوضحه الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية في القضاء (قال): ويجوز لمن اعتقد مذهب الشافعي رحمه الله أن يقلد القضاء من اعتقد مذهب أبي حنيفة لأن للقاضي أن يجتهد برأيه في قضائه ولا يلزمه أن يقلد في النوازل والأحكام من اعتزى إلى مذهبه، فإذا كان شافعياً لم يلزمه المصير في أحكامه إلى أقاويل الشافعي حتى يؤديه اجتهاده إليها، فإن أداه اجتهاده إلى الأخذ بقول أبي حنيفة عمل عليه وأخذ به.
وقد منع بعض الفقهاء من اعتزى إلى مذهب أن يحكم بغيره لما يتوجه إليه من التهمة والممايلة في القضايا والأحكام وإذا حكم بمذهب لا يتعداه كا ن أنفى للتهمى وأرضى للخصوم (قال الماوردي) وهذا وإن كانت السياسة تقتضيه فأحكام الشرع لا توجبه لأن التقليد فيها محظور والاجتهاد فيها مستحق.
ثم قال: فلو شرط المولي وهو حنفي أو شافعي على من ولاه القضاء أن لا يحكم إلا بمذهب الشافعي أو أبي حنيفة فهذا على ضربين أحدهما أن يشترط ذلك عموماً في جميع الأحكام فهذا شرط باطل سواء كان موافقاً لمذهب المولي أو مخالفاً له، وأما صحة الولاية فإن لم يجعله شرطاً فيها وأخرجه مخرج الأمر أو مخرج النهي وقال: قد قلدتك القضاء فاحكم بمذهب الشافعي رحمه الله على وجه الأمر أو لا تحكم بمذهب أبي حنيفة على وجه النهي كانت الولاية صحيحة والشرط فاسداً سواء تضمن أمراً أو نهياً، ويجوز أن يحكم بما أداه إليه اجتهاده سواء وافق شرطه أو خالفه.
فإن أخرج ذلك مخرج الشرط في عقد الولاية فقال قد قلدتك القضاء على أن لا تحكم فيه إلا بمذهب الشافعي أو بقول أبي حنيفة كانت الولاية باطلة لأنه عقدها على شرط فاسد، وقال أهل العراق تصح الولاية ويبطل الشرط ثم ذكر الضرب الثاني وفصل فيه فانظره وقال الإمام أبو زيد الدبوسي - من أكابر أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله - في كتاب