تقويم الأدلة في أواخر باب الاستحسان: وكان الناس في الصدر الأول أعني الصحابة والتابعين والصالحين رضوان الله عليهم أجمعين يبنون أمورهم على الحجة فكانوا يأخذون بالكتاب ثم بالسنة ثم بأقوال من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصح بالحجة فكان الرجل يأخذ بقول عمر رضي الله عنه في مسألة ثم يخالفه بقول علي رضي الله عنه في مسألة أخرى، وقد ظهر من أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله أنهم وافقوه مرة وخالفوه أخرى على حسب ما تتضح لهم الحجة، لم يكن المذهب في الشريعة عمريا ولا علويا بل النسبة كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانوا قروناً اثنى عليهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم بالخير فكانوا يرون الحجة لا علماءهم ولا نفوسهم فلما ذهب التقوى من عامة القرن الرابع وكسلوا عن طلب الحجج جعلوا علماءهم حجة واتبعوهم فصار بعضهم حنفياً وبعضهم مالكياً وبعضهم شافعياً ينصرون الحجة بالرجال ويعتقدون الصحة بالميلاد على ذلك المذهب ثم كل قرن اتبع عليه كيفما أصابه بلا تمييز حتى تبدلت السنن بالبدع فضل الحق بين الهوى كلام الإمام أبي زيد وللبحث مقدمة مدهشة فليرجع إليها وقد نقل نحواً من ذلك شيخ الصوفية محيي الدين ابن عربي في الباب الثامن عشر وثلثمائة من الفتوحات المكية في معرفة منزل نسخ الشريعة المحمدية وغير المحمدية بالأغراض النفسية عافانا الله وإياك من ذلك فليتدبر من يحب الإنصاف.
الحسبة على المفتين وأمثالهم
قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي: ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين فمن صلح للفتيا أقره، ومن لا يصلح منعه ونهاه أن يعود وتوعده بالعقوبة إن عاد، وطريق الأمام إلى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته ويعتمد أخبار الموثوق بهم انتهى.
وقال الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية: وإذا وجد - المحتسب - من يتصدى لعلم الشرع وليس من أهله من فقيه أو واعظ ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل أو تحريف أنكر عليه التصدي لما هو ليس من أهله وأظهر أمره لئلا يغتر به.
وقال ابن القيم: من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم عاص قال أبو الفرج ابن الجوزي: ويلزم ولي الأمر منعهم وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو