قال ويطلعك على هذا التلبيس ما أذكره وهو أن التعاون على طلب الحق من الدين ولكن له شروط وعلامات ثمان (إلى أن قال) الثالث أن يكون المناظر مجتهداً يفتي برأيه لا بمذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما حتى إذا ظهر له الحق من مذهب أبي حنيفة ترك ما يوافق رأي الشافعي وأفتى بما ظهر له كما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم والأئمة فأما من ليس له رتبة الاجتهاد وإنما يفتي فيما يسأل عنه نافلا عن مذهب صاحبه فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يتركه فأي فائدة له في المناظرة ومذهبه معلوم وما يشكل عليه يقول لعل عند صاحب مذهبي جواباً عن هذا فإنى لست مستقلاً بالاجتهاد.
وقال رضي الله عنه أيضاً في كتاب آداب تلاوة القرآن في أسباب موانع الفهم الأربعة ما مثاله في الثاني (ثانيها) أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة فهذا شخص قيده معتقده عن أن يجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفا على مسموعه، فإن لمع برق على بعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك فيرى أن ذلك من غرور الشيطان فيتباعد منه ويحترز عن مثله ولمثل هذا قالت الصوفية: إن العلم حجاب: وأرادوا بالعلم العقائد التي استمر عليها أكثر الناس بمجرد التقليد أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون للمذاهب وأتقوها إليهم انتهى.
وما أجمل قول الجاحظ عليه الرحمة: التقليد مرغوب عنه في حجة العقل منهي عنه في القرآن، نصراؤه قد عكسوا الأمور كما ترى ونقضوا العادات وذلك أنا لا نشك أن من نظر وبحث وقابل ووزن أحق بالتبين وأولى بالحجة انتهى.
ما على المفتي إذا عرف الحق
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان، اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق لا يجوز تقليد أحد في خلافه وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال.
وإن كان عاجزاً عن إظهار الحق الذي يعلمه فهذا يكون كمن عرف أن دين الإسلام حق وهو بين النصارى فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق لا يؤاخذ بما عجز عنه.
وإما إن كان المتبع للمجتهد عاجزاً عن معرفة الحق على التفصيل وقد فعل ما يقدر عليه