للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأدب، وأما إذا وقعت مسألة غامضة من أي علم كان عند ذلك تقوم القيامة وتكثر القالة ويتكدر المجلس وتمتلئ القلوب بالشحناء وتغمض العيون على القذى، فالمرموق بنظر العامة الموسوم بما يسمى العلم إما أن يتستر بالسكوت حتى يقال أن الشيخ مستغرق أو يهذو بما تمجه الاسماع، وتنفر عنه الطباع.

وقالوا سكرنا بحب الآلة ... وما أسكر القوم إلا القصع

فحالنا الآن كما قال ابن الجوزي في مجلس وعظه ببغداد

مافي الديار أخو وجد نطارحه ... حديث نجد ولا خل نجاريه

وهذه نفثة مصدور فنسأل الله السلامة واللطف كلام العطار وموضع الاستشهاد منه تأسفه على الاقتصار على ما في الأيدي من الأسفار مع أن الدواء الناجع هو التنقيب عما خبأته أيدي السلف من جواهر العلم ونفائس الفوائد وبالله التوفيق.

أعراض المفتي عن المقلد الخصم

المقلد هو الذي لا يصل فهمه إلى درك الدليل أو لا يريد أن يصل، أقعدته الفطرة عن اللحاق بأولي العلم، أو قنع بالتخلف عن السباق مع إبطال النظر وأقطاب الفهم، فلما ماتت قوته النظرية كان قصاراه أن يقف مع قول مفتيه، ويجرع من الكاس الذي يسقيه، فإذا تحكك بالدليل، وأخذ يخوض مع الإبطال في القال والقيل، دل على تطفله، وفضوله وتمحله وتعديه طوره، ومجاوزته قدره فلهذا يجب الإعراض عنه، وأن تحجب مخدرات المناظرة منه ولما ابتلي الأئمة قديماً بالمقلدة المماحكين، وضعوا لدرء جدلهم قوانين، قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه وأرضاه في كتابه فيصل التفرقة وشرط المقلد أن يسكت ويسكت عنه لأنه قاصر عن سلوك طريق الحجاج ولو كان أهلاً له كان مستتبعاً لا تابعاً وإماماً لا مأموماً، فإن خاض المقلد في المحاجة فذلك منه فضول، والمشتغل به صار كضارب في حديد بارد، وطالب لصلاح الفاسد وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر وقال رضي الله عنه في إحياء علوم الدين في الباب الرابع من أبواب العلم في مباحث المناظرة وتلبيس المناظرين ما مثاله: اعلم أن هؤلاء قد يستدرجون الناس إلى ذلك بأن غرضنا من المناظرات المباحثة عن الحق ليتضح فإن الحق مطلوب والتعاون على النظر في العلم وتوارد الخواطر مفيد ومؤثر هكذا كانت عادة الصحابة رضي الله عنهم في مشاوراتهم ثم