عين الشريعة ثم قال وكان الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى يقول: لم يبلغنا عن أحد من الأئمة أنه أمر أصحابه بالتزام مذهب معين لا يرى خلافه وما ذلك إلا لأن كل مجتهد مصيب، وكان الزناتي من أئمة المالكية يقول: يجوز تقليد كل من أهل المذاهب في النوازل، وقد أطال الشعراني في هذا البحث وأجاد والقصد أن توسع المفتي في مراجعة مذاهب الأئمة وأقوالهم مما يعينه على الأقوى والأرجح في النازلة، إذ ليس الحق وقفا على مذهب أو كتاب وبالجملة فلا سبيل للوقوف على الضالة المنشودة إلا بتتبع مطاوي الكتب وخبايا الأسفار، وبمقدار رفع الهمة في ذلك بمقدار تنور الأفكار، قال العلامة العطار في حواشيه على شرح جمع الجوامع من تأمل ما ذكره من تصدى لتراجم الأئمة الأعلام علم أنهم كانوا مع رسوخ قدمهم في العلوم الشرعية والأحكام الدينية لهم اطلاع عظيم على غيرها من العلوم وإحاطة تامة بكلياتها وجزئياتها حتى في كتب المخالفين في العقائد والفروع يدل على ذلك النقل عنهم في كتبهم والتصدي لدفع شبههم وأعجب من ذلك تجاوزهم إلى النظر في كتب غير الإسلام قال فإني وقفت على مؤلف للقرافي رد فيه على اليهود شبهاً أوردوها على الملة الإسلامية لم يأت في الرد عليهم إلا بنصوص التوراة وبقية الكتب السماوية حتى يظن الناظر في كتابه أنه كان يحفظها عن ظهر قلب ثم هم مع ذلك ما أخلوا في تثقيف ألسنتهم وترقيق طباعهم من رقائق الأشعار ولطائف المحاضرات، ثم قال ومن نظر فيما انتهى إليه الحال في زمن وقعنا فيه علم أن نسبتنا إليهم كنسبة عامة زمانهم فإن قصارى أمرنا النقل عنهم بدون أن نخترع شيئاً من عند أنفسنا، وليتنا وصلنا إلى هذه المرتبة بل اقتصرنا على النظر في كتب محصورة ألفها المتأخرون المستمدون من كلامهم نكررها طول العمر ولا تطمح نفوسنا إلى النظر في غيرها حتى كأن العلم انحصر في هذه الكتب فلزم من ذلك أنه إذا ورد علينا سؤال من غوامض علم الكلام تخلصنا عنه بأن هذا كلام الفلاسفة ولا ننظر فيه أو مسألة أصولية قلنا لم نرها في جمع الجوامع فلا أصل لها أو نكتة أدبية قلنا هذا من علوم أهل البطالة وهكذا فصار العذر أقبح من الذنب، وإذا اجتمع جماعة منا في مجلس فالمخاطبات مخاطبات العامة والحديث حديثهم، فإذا جرى في المجلس نكتة أدبية ربما لا نتفطن لها وإن تفطنا لها بالغنا في إنكارها والإغماض عن قائلها إن كان مساوياً، وإيذائه بشناعة القول إن كان أدنى ونسبناه إلى عدم الحشمة وقلة