للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للإفصاح عنه يجب أن يعفى من أنواع الجزاء من التنبيه البسيط إلى الحكم بالجناية وتبسيط في القول على ذلك حتى ادعى أن ليس من حرية وجدان في الهيأة والحكمة والكيمياء والفيسيولوجيا لأن المرء إذا لم يقبل مبادئها الأساسية اتهم بالهوس وليست الحال كذلك في الاجتماعيات لأن المبادئ القديمة قد اضمحلت ولم تخلفها بعد مبادئ جديدة.

أما أصول علم الاجتماع فكانت كغيرها من الأصول العلمية تستخلص من التجارب والمشاهدات على سبيل القياس والاستقراء فيطالع المستقرئ حوادث بسيطة يضع لها النواميس ثم يترقى إلى الحوادث المركبة بطريق القياس فيستخرج قوانينها إذ ليس في وسع الباحثين استنباط القوانين العامة مباشرة من ملاحظة الحوادث المركبة ولكن كونت لاحظ أن الحال في العلوم الاجتماعية كذلك فإن حوادثها البسيطة تتألف من أفعال الأفراد وحواسهم ونواميس هذه لا تختص بها بل تشمل الطبيعة البشرية ذاتها والحوادث الاجتماعية إنما هي نتائج لتلك البسائط.

وقد كان العلماء إلى عهد كونت يحاولون أخذ العلم الاجتماعي المثبت من قوانين الطبيعة البشرية العامة ثم يجعلون الوقائع التاريخية دليلاً على صحة تلك الاستنتاجات فرد كونت هذه النظرية وقال إذا دلت القوانين العامة على ما لا يؤيده شاهد من التاريخ وجب علينا أن نحكم بفساد التاريخ واختلاله لأن صفحاته الأولية مهزعة وكلما أعرق الناس في الحضارة ازدادوا دقة في تدوين الحوادث وإذا كان التاريخ يدلنا على مجرى الرقي البشري في غابر العصور فهو لا يوجب اتخاذ ذلك المجرى سنناً ولا يضع قانوناً فمتى شئنا معرفة القوانين تعين علينا أن نعود إلى علم النفس (البسيكولوجيا).

إن قوانين الطبيعة البشرية العامة هي في جملة موسوعات علم الاجتماع غير أنها تختلف في استعمالها عن القوانين الطبيعية فإن التجارب الخصوصية في هذه تؤدي عن طريق القياس إلى استخراج القوانين العامة وفي العلم الاجتماعي نبلغ الناموس العام من التجربة الخاصة ثم نستخرج عن طريق القياس نتيجة تؤيد صحته.

والفلاسفة الذين اشتغلوا في نظريات الاجتماع لم يكونوا يعتبرون التاريخ سلسلة من الأسباب والنتائج بل كانوا يتلقونه كأقاصيص متفرقة لا رابطة بينها حتى جاء كونت فبين فساد مزاعمهم في هذا الصدد وجعل التاريخ من أكبر مآخذ العلم الاجتماعي وحيث رأى