القرب من مركز القضاء إلى ارض بانياس في زهاء أربع ساعات فرأينا فيها صورة مصغرة من مناخ سورية رأينا فيها الربيع والصيف أو الصيف والشتاء في آن واحد. وأميرها وهو اليوم محمود الفاعور مالك هذه الأراضي كلها إذا شتا في أرضه بالقرب من الحولة يشتو في حرارة كحرارة الربيع وإذا اصطاف يصطاف في الأرض النجدية وإذا ارتبع يرتبع في واسط حيث بنى قصره على مثال قصور الأغنياء وهذا الأمير حاكم مطلق في عشيرته عرب الفضل المؤلفة من نحو ١٥٠٠ بيت كما قال لي أحد أفرادها ولا يشاركه في ملكها سوى شيخ الهوادجة وبعض البحاترة وهم عبارة عن ١٨٠ بيتاً يملكون جزءاً صغيراً منها ومن عشائر الفضل العجارمة والربيع والفاعور ويجمعها كلها اسم الفضل وكلهم رحالة أو متنقلون ولكن رحلتهم في أرضهم لا يتعدونها إلى القاصية كما يرحل عرب بني صخر والروالة مثلاً وأميرهم يدفع ما على أراضيه من الأعشار الخفيفة وجماعته معفون من الخدمة العسكرية ليسوا مع أميرهم كصاحب أرض مع فلاحيه على ما هي عليه الحال مثلاً في الغوطة والمرج وقلمون ووادي العجم والجولان يخدمون أرضه ويقاسمهم غلاتها على الخمس أو الربع بل هو الحاكم المتحكم في أموالهم ومائهم وأعراضهم يأخذ ما يمكنه أخذه منهم وينفقه في وجوه مرافقه والتوسعة على ضيفانه. وأهل الجولان مسلمون على الأكثر وليس فيها سوى ثلاث قرى في آخر عملها اسمها عين فيت وزعورة وغجر سكانها نصيرية.
وسلطان العدل في هذه البلاد ضئيل بحيث لايرى حتى بالمجهر والكبرة لفساد أخلاق الأهلين على الأكثر ولأن الحكومة لا تختار على الغالب لولاية أعمالها سوى من قلت كفاءتهم في الجملة. قال لي أحد فضلاء القنيطرة: لقد راقبت سير الحكومة في قضائنا منذ نحو ثلاثين سنة فلم أرها إلا تقذف علينا بأحط عمالها على الأغلب فإذا اتفق أن تولى العمل الأكفاء المستقيمون لا تطول مدتهم فيفارقوننا ليخلفهم من لا يرجعون إلى عقل في أحكامهم ولا إلى عدل في نظامهم هذا ما سمعته وحققته من مجموع حوادث نقلت لي إما من المعارف فلا تجد لها في القضاء عيناً ولا أثراً ويكفي بأني قال في وصف مدرستيها الأميريتين أن الأولاد يضربون معلمهم ويعبثون بلحيته وعمامته ولكن ما دامت إدارة المعارف تفضل من يعرف كلمتين من التركية على الكفوء من المدرسين ممن لم يسعدهم