وأوديتهم المخصبة الصافية بالرفاهية والراحة يعمرونها كما يعمر الصهيونيون القرى التي نزلوها من أرض فلسطين والجليل فقد مر بنا مكارينا بقرية المطلة في أقصى حدود الحولة وهي لجماعة من الإسرائيليين فرأيناهم بتنظيمها كقرى أوربا فهلا رأى السكان مجاوريهم وقلدوهم في مرافق الحياة والشؤون النافعة.
صيدا وصور
ما الروض إلا ريض باكره السحاب ولا نسيم الصبا عطر بالشيح والملاب ولا مجامع الأنس ولقاء الأصحاب ولا العافية في بدن ذي أسقام وأوصاب ولا النضارة في خدود الغنيات الكعاب ولا تغريد العندليب وأنين العود والرباب ولا نيل الأماني بعد طول التطلاب ولا رنات الأوتار تلين لها الصم الصلاب ولا كشف غوامض المسائل بعد أن خفيت عن طالبيها الأحقاب - ما كل بهذا بأجمل من نزول صيدا في نيسانها وأيارها وقد طرزت ضواحيها وحواشيها وترنحت بالمرقصات المطربات أعطاف شاديها وتغنت أطيارها في أشجارها وتفتقت أنوارها وفاح أريج تربتها الزكية وتسلسلت سواقيها النقية فضمخت الأرجاء بماء أزاهيرها وورودها فكانت بهجة النفوس وريحانة الرواح.
أتيتها من طريق صور وكنت قصدت هذه من النبطية قاعدة جبل عامل والمسافة بين النبطية أو النابطية وصور سبع ساعات عن طريق صعب في الجملة وليس في صور ما يستحق أن يذكر سوى تاريخها القديم أما حالتها الحاضرة فأشبه بقرية وسط جزيرة تتصل مع البر برمال وهي محصورة ضيقة وبلغني أن نفوسها لا يتجاوزون سبعة آلاف نصفهم من المسيحيين والنصف الآخر مسلمون وتجارتها ضعيفة جداً وزراعتها متوسطة وقد ذكر القدماء بأن صور هي التي أوجدت فن الزراعة وغرس الكرمة.
كان لصور شأن في القديم دونه اليوم ميناء همبورغ ومرسيليا ولندن ونيويورك ومن مينائها وميناء صيدا سافرت سفن الفينيقيين واستعمرت شواطئ البحر الرومي حتى بلغت مضيق جبل طارق بل تجاوزته في بحر الظلمات إلى أن بلغت الجزائر البريطانية واستعمرتها وأقامت فيها مصانعها ومتاجرها على حين لا ترى اليوم إلا قوارب حقيرة ومراكب شراعية صغيرة لا تدل على عظمة ولا تشعر إلا بفقر ومسكنة.
أصحيح أن صور التي لا تصدر الآن إلا قليلاً من القطن والدخان كانت فيما مضى تصدر