وصناعات كلديا تارة أخرى واشتهرت صناعة الفينيقيين عند القدماء فقد أتقنوا طرق اصطناع الزجاج وحفظوا زماناً سير تحضير الأرجوان وفي الآثار التي عثر عليها في أمريت أي مارات القديمة ما يستدل به أن المدينة المصرية أثرت كل التأثير في المدينة الفينيقية بل أن معاصر الزيوت ذات الأجهزة الضخمة تشبه الآثار المصرية كل الشبه وكذلك أواني الفضة والشبهان البرونزالتي كانت تصنع في صور تراها مزخرفة بأشكال مصرية وممثلة لموضوعات مصرية وكذلك الجواهر والأساور والخناجر ودروع الخواصر والخواتم والأقراط تشبه المصنوعات المصرية فلم يكن للفينيقيين قط فنون وطنية خاصة بهم متأصلة فيهم لأنهم اقتصروا في كل عصر على تقليد أعمال الأمم التي تحكمهم فكانوا يقلدون الصناعات المصرية والآشورية أيام كانت حكومة بلادهم في أيدي المصريين والآشوريين فلما حكمهم اليونان ثم الرومان حاكوا الصناعات اليونانية.
وبالجملة فإن صور وصيدا كانتا مدينتي صناعة وتجارة يحمل أبناؤهما مصنوعاتهم ومصنوعات غيرهم إلى الجهات القاصية وهم وحدهم كانوا ينقلون البضائع في البحر المتوسط مدة قرون طويلة.
هذا ما يساعد المقام على اقتباسه من تاريخ العاصمتين القديمتين أما حالتهما الحاضرة فمتأخرة وإن كانت صيدا ترجح على صور كثيراً خصوصاً بحدائقها الأنيقة التي يعود عليها منها دخل وافر لا سيما في البرتقال والليمون واللوز والمشمش والموز والبلح ويني دنيا وهو شجر حديث أدخل المالطيون زراعته إلى صيدا أولاً منذ نحو أربعين سنة وله طعم حلو مز وبذر كبير.
إن تلك البقعة التي تقدر بنصف غوطة دمشق بمساحتها في ذاك السهل النضير الذي تطل عليه قمم لبنان مغطاة بالثلوج وجبل الريحان وتومات نيحا وصيدا في عمرانها اليوم صورة مصغرة من عمران بيروت وفيها من المعاهد والمصانع مثل ما في الأولى فلها مدرسة صناعة لمبشري الأميركان ومدرستان لهم للذكور والإناث كما فيها مدرسة لليسوعيين وأخرى للفرنسيسكان وثالثة للاتحاد الإسرائيلي ومدارس ابتدائية لجمعية المقاصد الإسلامية لا تعلق لها بجمعية بيروت المسماة بهذا الاسم ولا بجمعية النبطية التي أطلق عليها مثل هذا الاسم أيضاً وفيها مكتب ابتدائي ورشدي أميري وغير ذلك من الجوامع والكنائس كما