للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما الإصلاح الديني في الحقيقة إلا إصلاح عقول القائمين بالدين كالقضاة والمفاتي والحكام ولذلك كان من أهم الأعمال التي تمت في مصر على عهد نهضتها الأخيرة إنشاء مدرسة القضاء الشرعي حتى ر يقل القضاة الشرعيون في علمهم ومداركهم عن القضاة النظاميين ويتعب الأولون في إعداد نفوسهم وملكاتهم كما تعب الآخرون ويخلص الإسلام من الوصمات التي صمه بها الجاهلون به ليوقنوا أن الضعف أتى من المسلمين لا من الإسلام.

أما سائر موظفي الإدارة في الأقضية فيرجعون على الجملة إلى شيء من النظام وأن كان يندر فيهم العفيف النزيه بحيث لا تكاد تعد صالحاً واحداً منهم في كل عشرة صالحين ويكثر استهتار أحدهم ويقل حسب ذكائه وشجاعته فإن كان على شيء منها وله من يحيمه في حاضرة الولاية أو عاصمة السلطنة من كبار الموظفين أغرق في أخذ نفسه به أي إغراق لأن حاميه يدفع عنه أذى أعاديه وإلا لاذ بالتقية واعتصم بالمراوغة والمصانعة والدهان لمن فوقه في المرتبة.

هذا إجمال من حال حكومات الأقضية وإصلاحها منوط في الأكثر بتعيين متصرفين وولاة ممن خبروا أمور الإدارة بأنفسهم سنين طويلة وكانوا على جانب من العلم وحسن السياسة يحسنون لغة البلاد ويعرفون طبائعها حتى لا يكونوا آلة بأيدي فئة مخصوصة من الناس لا يكتبون إلا ما يملون عليهم ولا يعارضون إلا فيما لهم فيه مأرب خاص. ومتى أدرَّت الحكومة على الموظف الصغير رابتاً يكون على حد الكفاية وسألته عن عمله وراقبته في حركاته وسكناته فقل أن نظامنا الإداري دخله الإصلاح الحقيقي والافنيقي نرسف قيود الذل ونخبط على غير هدى.

كل من يتجول في داخلية البلاد يرى عياناً رداءة الطرق وقلة أعمال العمران ولولا قليل من الهندسة دخلت في بناء الدور والمساكن والقرميد اللطيف الذي يزين سطوحها لأقسم من يرى تأخر هذه البلاد وما حنث بأنها لم ترتق درجة واحدة في هذا القرن عن القرون الخوالي وأنها كانت قبل ألف وألفي سنة أوسع عمراناً وأكثر سكاناً مما هي اليوم.

إلى الآن لا تجد طريقاً معبدة حتى بين البلدان المهمة فإذا كان الطريق الآخذ من بيروت فصيدا فصور فصيدا فالنبطية فمرجعيون لم يزل مشعثاً متداعياً بعد أن صرف على رصفه بضع عشرات من ألوف الليرات فما هو الحال بطريق مرجعيون حاصبيا راشيا فطنا