الوجه لا تنقطع شكوى الأهلين فيها. والشكوى طبيعية في الأمم ومنها المحق ومنها دون ذلك.
لا جدال في أن العهد الدستوري قد أدخل في الإدارة شيئاً من روح النظام شعر به في الجندية والشرطة والمالية من فروع الحكومة ولكن سائر الفروع لم تبرح محرومة منه مثال ذلك القضاء والإفتاء في الأقضية فقد طغت سبعة منها أربعة من أعمال ولاية سورية وثلاثة من أعمال ولاية بيروت وأني لأستحي أن أقول أن أرباب هذه الوظائف إلا النادر ممن عصمهم الله حرموا من العلم والمعرفة والنزاهة والعاطفة الوطنية فلا دين لهم إلا أخذ الأموال من غير حلها ولا شريعة إلا التلاعب بالأحكام الدينية والمدنية ولا هدي إلا ما توحيه إليهم عقولهم القاصرة وأني لآسف لمن يجعلون على بساط الشريعة المطهرة ورائدهم الجهل وقلة الأمانة وللصيانة أن يكونوا على نحو ما ذكرت. إذا عرفت هذا فقل معي غير هياب ولا وجل أن المشيخة الإسلامية لم تخرج في توسيد هذه الوظائف الشريفة عن الحد الذي كانت رسمته حكومة الاستبداد المطلقة أي أنها في العهد الدستوري لم تأت على ما تحمد عليه خدمة على الشريعة والقانون.
القاضي أو النائب في الأقضية هو الكل في الكل وربما كانت وظيفته أهم من القائم مقام لأن حكم هذا لا يجوز إلا في الأمور الإدارية والسياسية أما الأول فأحكامه تتناول الأحكام المختلفة فإن كان ممن قلَّت تربيته ورق دينه والسواد الأعظم كذلك أتت أحكامه متناقضة مرذولة فاسدة حشوها الدرهم والدينار وسداها ولحمتها تلوث الذمة وتلون القلب وإلا وهو النادر كان داعية من دعاة الإصلاح ومثالاً من الكفاءة تشفعها الأخلاق الطاهرة.
والسبب في هذا الهزل المضني الذي أصاب حكام الشريعة في هذه المملكة أنه أتت أدوار كان ينظر إلى المناظر الخارجية في تولية القضاة لا إلى كفاءاتهم الشخصية فلم يتأهل أكثرهم لها بالعمل ولم يخضعوا لنظام كما خضع سلك القائم مقامين مثلاً ولذا ترى في نفوس أكثر هؤلاء عفة وغيرة ما لا ترى بعضه فيما انطوت عليه جوانح أولئك الذين أنبتوا نباتاً طبيعياً ونالوا حق التصدر بالرشى والمحاباة وارتكاب ما تنكره الفضيلة وتأباه أصول الحكومات الراقية.
كان أحد كبار المصلحين في مصر يقون أن الإصلاح الديني في الشرق أول كل إصلاح.