المراقب لا تجسر على النبس بنت شفة انتقاداً على ما تأتيه الحكومة من الأعمال بل أُجبرت على مدح الظلم والظلام وتعظيمهم بعبارات يمجها الذوق وتشمئز منها النفوس الأبية مما هو معلوم أمره للجميع لقرب العهد به.
ولما أعلن القانون الأساسي قبل ثلاث سنوات أظهرت الصحافة التركية في العاصمة ومطبوعاتها نهضة كبيرة وانتشرت جرائد كثيرة بأسماء مختلفة بين يومية وأسبوعية وسياسية وعلمية وفنية وكثر إقبال القراء عليها وصار الناس يتهافتون على هذه الجرائد تهافت الجياع على القصاع وراج سق المطبوعات عامة وأخذ كل من يملك بضع مئات من الليرات يؤسس مطبعة لكثرة ما تأتيه من الأرباح الطائلة فتعددت المطابع في الاستانة وارتفعت أجور العمال وأصبح العامل الذي كان يأخذ ١٠ قروش في اليوم في الدور البائد لا يرضى بأقل من نصف ليرة عثمانية فسبب ذلك ارتفاع أسعار الطبع والورق أيضاً ولم ينقض الحول حتى بدأ إقبال الناس على مطالعة الصحف والكتب يزول بالتدريج إلى أن أدى إلى إفلاس أكثر المطابع وتعطيل أغلب الجرائد الحديثة ولم يبق منها في عالم الوجود إلا القليل منها ومع ذلك فإن عددها اليوم وتنوعها يدهش الشرقي ويدل على انتشار المعارف بين إخواننا الأتراك.
تنقسم الصحافة التركية العثمانية إلى قسمين: صحافة العاصمة وحافة الولايات وتنقسم صحافة العاصمة أيضاً إلى قسمين: موالية ومخالفة. فالموالية تؤيد جمعية الاتحاد والترقي وحزبها في المجلس وتعضد وزارتها وتطري أعمال الحكومة وتطنب في مدح خطتها وتمجد سير رجالها تمجيداً غريباً وتتهجم على كل من تشتم مكنه رائحة المخالفة وتظنه مخالفاً للجمعية والحكومة وحزب الأكثرية. فتلص مثلاً بزيد من المخالفين الارتجاج وبعمرو خيانة الوطن وترمي بكراً بالتجرد من الشعور والعواطف العثمانية فهي أشبه بجرائد الدور السابق من حيث تعظيم الحكومة إلا أنها تمتاز عنها بالشدة ضد الجرائد والأحزاب المخالفة وثقل الوطأة عليها وأما الجرائد المخالفة فإنها تنتقد دائماً أعمال الحكومة المغايرة للقانون الأساسي (وما أكثر هذه الأعمال المغايرة) وروح الإصلاح وما يصدر من حزب الأكثرية من الأمور المغايرة للمبادئ النيابية وتحتج على تدخل الجمعية في شؤون الحكومة وسيطرة زعمائها الذين لا يتجاوزون عدد الأصابع على شؤون الحكومة وهيمنتهم