أما فعل البكتيريا في الجماد والأحياء فعلى غاية الشأن. لأنها هي التي تخمر العجين والخل والخمر وسائر المشروبات وتعدل المواد السائلة من دم وماء فتضر أو تنفع تبعاً لكيفية هذا التعديل وهي التي تفتت الصخور وتسحل وجه الأرض وتساعد على نمو النبات وحياة الحيوان بل قد عدها بعضهم أصل جميع الكائنات العضوية. إليك أخص فعلها في الحيوان والنبات والجماد.
فعلها في الحيوان: أهم أفعال الميكروبات بالنظر إلى حياة الحيوان ما تحدثه من المنفعة والضرر. فهي تفيد الحيوان من أوجه عديدة لا يتسع المقام لإيرادها هنا بالتفصيل ويكفي لتقدير نفعها مكانة وجودها في الماء الذي نشربه لأنه إذا خلا منها بالتقطير صار ضاراً وإذا خلت مياه أي نبع منه خلواً تاماً منها انقلبت سماً نافعاً كما يعلم ذلك من اختبار الينابيع الشديدة الصفاء في بعض أنحاء العالم فانه تضر شاربيها ضرراً بليغاً إذا انتفى منها وجود الميكروبات.
وقد ثبت بعد امتحانات باستور أن لا حي يتولد من غير الحي ولذلك فلا يفسد اللحم ولا تختمر السائلات على أنواعها إلا بفعل هذه الميكروبات ومفرزاتها. فهي التي تهيئ لنا ما نتمتع به من المشروبات المختمرة كالخمر والبيرا واللبن الرائب والجبن والزبدة وغيرها مما لا يحيط به العد. فلو فرضنا فقد هذه الميكروبات فجاة لانقلبت أحوال المعيشة انقلاباً يهولنا تصوره. لأنها هي التي يتم بواسطتها الاختمار والتعفن ودبغ الجلود وتحضير النيل والتبغ وسائر ما له اتصال برغد العيش خصوصاً انتماء الزرع كما سيجيء. فمعظمها نافع لذات الحياة.
غير أن بعضها يفرز في الدم مادة سامة فيمرض أو يهيئ للمرض. وقد ثبت الآن أن جميع الأمراض وفي جملتها القروح والبثور وغيرها مسبب عنها. ولا نستثني من ذلك العلل الناجمة عن فعل حييوينات ضارة.
وبعد كشف كيفية هذه الميكروبات صار من السهل شفاء الجراح بحفظها سليمة من الفساد وما الفساد إلا فعل هذه المخلوقات الصغيرة في الدم. فكل ما يميتها من الأدوية والعقاقير يسمى مطهراً لأنه يمنع إفساد الدم.