إذا تأوب نوْح قامتا معه ... ضرباً أليماً بسبت يلعج الجلدا
وهو نوع مستملح من الشعر لم أرهم اعتنوا بجمعه اعتنائهم بأبيات المعاني. فمنه قول زهير ابن أبي سلمى:
ومن يعص أطراف الزجاج فإنه ... يطبع العوالي ركبت كل لهذم
الزجاج بالكسر جمع زج بالضم وهي حديدة تكون في سافلة الرمح واللهذم السنان ويكون في عاليته وظاهر المعنى أن من أبى الصلح ذللته الحرب أو من لا يقبل الأمر الصغير اضطر إلى قبول الكبير والبيت مع صلاحه لهذا المعنى فإنه يتضمن شيئاً آخر من عاداتهم وذلك أن الفئتين من العرب كانتا إذا التقتا في القتال سددت كل واحدة منهما زجاج الرماح نحو صاحبتها ثم يسعى الساعون في الصلح فإن أبتا إلا التمادي في القتال قلبت كل واحدة منهما الرماح واقتتلتا بالأسنة.
(ومن أبيات العادات) قول النابغة الذبياني:
فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السمّ نافع
يسهد من ليل التمام سليمها ... لحلي النساء في يديه قعاقع
السليم الملدوغ وكانت عاداتهم كما في لسان العرب وشرح الديوان أن يضعوا في أيدي الملدوغ شيئاً من الحلي لئلا ينام فيدب السم في جيده فيقتله. ومثله قول الآخر:
فبت معنَّى بالهموم كأنني ... سليم نفى عنه الرقاد الجلاجل
قلت وغريب تقارب بعض العادات عند الأمم فقد حكة لي شيخ مسن من الجراكسة أن من عاداتهم في بلادهم أنهم لا يدعون الجريح ينام لئلا يموت عل زعمهم فيجعلون حوله من يقرع على طست أو قدر من النحاس ليوقظه كلما أغفى ولا يزالون يتناوبون ذلك حتى يتم شفاؤه.
(ومن أبيات العادات) قول الربيع بن زياد في مالك بن زهير العبسي:
من كان مسروراً بمقتل مالكٍ ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه ... يلطمن أوجههن بالأسحار
فإن مراده أن من كان شامتاً مسروراً بمقتل مالك فليأت نسوتنا وهن على هذه الحال ليعلم أننا أخذنا بثأره فلا يشمت به وذلك لأن العرب كانت تندب قتلاها بعد إدراك الثأر وقد