فابتدأ هو وحبيب بمضمرات على غير مظهرات قبلها وهو رديء قال ويعاب أيضاً الافتتاحات المتطير بها. والكلام المضاد للغرض كابتداء قصيدة أبي نواس التي أنشدها الفضل بن يحيى خالد البرمكي يهنيه ببنيانه الدار الجديدة فدخل إليه عند كمالها وقد جلس للهناء والدعاء وعنده وجوه الناس فأنشده:
أربع البلى إن الخشوع لبادي ... عليك وإني لم أخنك ودادي
فتطير الفضل من ذلك ونكس رأسه وتناظر الناس بعضهم إلى بعض ثم تمادى فختم الشعر بقوله:
سلام على الدنيا إذا ما فُقدتمُ ... بني برمك من رائحين وغادي
فكمل جهله وتمم خطأه وزاد القلوب المتوقعة للخطوب سرعة توقع. وأضاف للنفوس المتوجعة بذكر الموت شدة توجع. وأراد أن يمدح فهجا. ودخل ليسر فشجا قال وقريب من هذا ما وقع للمتنبي في أول شعر أنشده كافوراً:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا
فهذا خطاب بالكاف بفتح ولا سيما في أول لقية. وفي ابتداء واستعطاف ورقية. وفي هذا البيت غير هذا من العيوب سنذكره بعد.
ووقع مثل هذا من قبح الاستفتاح في عصرنا وذلك أن بعض الشعراء أنشد بعض الأمراء في يوم المهرجان فقال:
لا تقل بشرى ولكن بشريان ... وجه من أهوى ووجه المهرجان
فأمر بإخراجه واستطار بافتتاحه وحرمه إحسانه قال أبو الريان ولو كان هذا الشاعر حاذقاً لكان إصلاح هذا الفساد أيسر الأشياء عليه وذلك بأن يعكس البيت فيقول:
وجه من أهوى ووجه المهرجان ... أي بشرى هي لا بل بشريان
قال ويبج جداً الإتيان بكلمة القافية معجمة لا ترتبط بما قبلها من الكلام وإنما هي مفردة لحشو القافية كقول بعضهم:
فبلغت المنى برغم أعاديك ... وأبقاك سالماً رب هود
فأنت ترى غثاثة هذه القافية وإله تعالى رب جميع الخلق وكل شيء فخصَّ هوداً عليه السلام وحده لضعف نقده وعجزه عن الإتيان بقافية تليق وتحسن.