قال ويقبح أيضاً الجفاءُ في النسيب على الحبيب والتضجر ببعده. وغلظة العتاب على صده. كقول أبي نواس:
أجارة بيتينا أبوك غيور ... وميسور ما يرجى لديك عسير
فان كنت لا خلاً ولا أنت زوجة ... فلا برحت منا عليك ستور
وجاورت قوماً لا تزاور بينهم ... ولا قرب إلا أن يكون نشور
فلم أسمع بأوحش من هذا النسيب. ولا أخشن من هذا التشبيب. وذلك قوله إن لم تكوني لي زوجة ولا صديقة فلا برحت منا ستور للتراب عليك. ولا كان جارك ما عشنا نحن إلا الموتى الذين لا يتزاورون ولا يتواصلون إلى يوم النشور على أن كلامه يشهد عليه بأنه شاك وإنما المعروف في أهل الرقة والظرف. والمعهود من أهل الوفاء والعطف. أن يفدوا أحبابهم بالنفوس. من كل مكروه وبوس. فأين ذهبت ولادته البصرية وآدابه البغدادية. حتى اختار الغدر على الوفاء. وبلغت به طباعه إلى أجفاء الجفاء. فاعلم هذا وإياك أن تعمل به.
قال ومن عيب الشعر السرق وهو كثير الأجناس. في شعر الناس. فمنها سرقة ألفاظ. ومنها سرقة معان. وسرقة المعاني أكثر لأنها أخفى من الألفاظ ومنها سرقة المعنى كله. ومنها سرقة البعض. باختصار في اللفظ وزيادة في المعنى وهو أحسن المسروقات. ومنها مسروق بزيادة ألفاظ وقصور عن المعنى وهو أقبحها. ومنها سرقة محضة بلا زيادة ولا نقص والفضل في لك للمسروق منه ولا شيء للسارق كسرقة أبي نواس في هذه القصيدة التي ذكرنا معنى أبي الشيص بكماله. قال أبو الشيص:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
فسرقة الحسن بكماله فقال:
فما جازه جود ولا حل دونه ... ولكن يصير الجود حيث يصير
فهذا على أن بيت أبي الشيص أحلى وأطبع ومع حلاوته جزالة. وقد ذكر عن الحسن أنه قال ما زلت أحسد أبا الشيص على هذا البيت حتى أخذته منه وسرقة المعاصر سقوط همة. وبهذه القصيدة يناضل أصحاب الحسن عنه ويخاصمون خصماءه مقرين بأن ليس له أفضل منها. ولا لهم إلى سوى هذه القصيدة معدل عنها. فقس بفهمك واعمل فكرك على ما وصفناه من أبواب السرقة ما وجدته في أشعار لم أذكرها يظهر لك جميع ما وصفناه. ويبدو