لك جميع ما رسمناه. قال ومما يقع في عيوب الشعر ويغفل الشاعر عنه ويجوزه الأمر فيه لصغر جرم العيب وسلامة اللفظ لذي احتبي فيه ثم يكون ذلك سبب غفلة النقاد أيضاً عنه مثل قول المتنبي:
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
فضع هذا الكلام على أنه إنما شكا داءَه ووصفه بالعظم فعاد شاكياً نفسه وجعلها أعظم الداء لأنه أراد كفى بدائك داءً فغلط وقال كفى بك داءً فصار كفى بالسلامة داءً فالسلامة هي الداء يريد طول البقاء سبب للفناء. وقال الله تعالى وكفى بنا حاسبين فالله هو أعظم شهيد فجعل المتنبي نفسه أعظم الداء ولم يرد إلا استعظام دائه وإصلاح هذا الفساد. وبلوغه إلى المراد. أن يقول:
كفى بالمنايا أن تكن أمانيا ... وحسبك داء أن ترى الموت شافيا
فيعود الداء المستعظم كما أراد تزول خشونة ابتدائه. وشدة جفائه. إذ خاطب للممدوح بالكاف فجعله داء عظيماً في أول كلمة سمعها منه. وقد تأدب خواص الناس وكثير من عوامهم في مثال هذا المكان فهم يقولون عند مخاطبات بعضهم بعضاً بما يخشن ذكره قلت للأبعد يا كذا أو كذا للأبعد.
ومن عيوب هذا القسم أيضاً أن قائله قصد إلى سلطان جديد وإلى مكان يحتاج فيه إلى التعظيم والتفخيم وقد صدر عن ملك نوه به أعني سيف الدولة وأغناه بعد فقره وشرفه ورفعه. وأدنى موضعه. فورد كل كافور هذا في مرتبة شريفة. وخطة منيفة. فجعل بجهله يصفه في أول بيت لقيه به أنه في حالة لا يرى منها المنية. أو يرى المنية أعظم أمنية. وعلم كافور بذكائه ووصول أخبار الناس إليه أنه في حالة خلاف ما قال وأنه كفر النعمة من المنعم عليه وأراه أن جميع ما عامله به من الجاه الواسع. والغنى القاطع حقير لديه. صغير في عينيه. فعلم كافور في هذا الوقت أنه ممن لا تزكو لديه الصنيعة وإن عظمت. ولا تكبر في عينيه المواهب وإن جسمت. ولم يكن في خلق كافور من الصبر على اتساع البذل. ولا من الرغبة في أهل الآداب والفضل ما عند سيف الدولة من ذلك فزهد فيه بعد رغبة وعلله بالقليل. وشاوقه بالجزيل. ورأى المتنبي أن الأسود ليس له في قلبه من الحب والقرب ما له عند سيف الدولة فلم يدل عليه ولا كثر من التعتب والعتاب ما يعطفه عليه