فأضاع وضاع. وكان يتوقع الإيقاع. ولكفران النعم نقم. ثم نجاه ركوب ظهر الهرب وأقبل يعترف لسيف الدولة بالذنوب. وكان لحنه وشعره شريفين. وعقله ودينه ضعيفين. ومع ذلك فسقطاته كثيرة إلا أن محاسنه أكثر وأوفر. والمرء يعجز لا المحالة. وكان يميل إلى تعقيد الكلام ويعتمد على علمه بقبحه فيقول من ذلك ما يصف به ناقته:
فعبيت تسئد مسئداً في نيها ... أسادها في المهمة الأنضاء
يقول في المدح:
أنى يكون أبا البرية آدم ... وأبوك والثقلان أنت محمد
ويقول في بيت آخر من قصيدة أخرى يمدح بها والبيت لا يتعلق بشيء مما قبله فيما يظهر ولا فيما بعده بشيء:
كأنك ما جاودت من بان جوده ... عليك ولا قاومت من لم تقاوم
ومثل هذا كثير وهذه الأجناس من أبيات وإن ظهرت معانيها بعد استقصاء. وأطاعت غوامضها بعد استعصاء. فهي مذمومة السلك وإن اطلعت منها على أجزل الإفادة فكيف إذا حصلت منها على السلامة بلا زيادة. وكان أيضاً يغفل عن إصلاح أشياء من كلامه على قرب ذلك من الفهم. مثل قوله يرثي أخت سيف الدولة:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ... كناية بهما عن أشرف النسب
فجعل يا أخت خير كناية عن اشرف النسب والكناية لا تكون إلا لعلل تتسع فيها التهم لأن الكناية ستر وتعمية فنا بال شرف النسب يورى عنه تورية المعائب. ويكنى عنه والتصريح به من المفاخر والمناقب. وقد غفل عن إصلاح هذا بلفظ فصيح. ومعنى صحيح. قد كاد يبرز من الجنان. إلى طرف اللسان. وهو لو فطن إليه:
يا أخت خير أخ يا بنت خير أب ... غنى بهذا وذا عن أشرف النسب
قال أبو الريان وهذه الجملة التي أثبت لك فيها ما دخل على الشعراء المحيدين من التقصير والغفلة والغلط وغير ذلك كافية ومغنية عن إيراد ذلك وإن لقيتها بجودة بحث وصحة قياس. لم تحتج إلى كشف عيوب أشعار الناس. ولعل قائلاً يقول مال على هؤلاء وترك سواهم لميله على من بكت. ولتفضيله من عنه سكت. فقل لمن قال ذلك الأمر، عل خلاف ما ظننت لم أذكر إلا الأفضل فالأفضل. والأشهر فالأشهر. إذ كانت أشعارهم هي المروية.