إلى رومية وبدلاً من تأليه قيصر ثارت تذكر اسم الله ثم جاء دور النهضة والت بالمفننين والشاعرين ورجال الحرب والسياسة من أبنائها. وتراجع عمران رومية للمرة الثانية بما حدث من الغوائل بين البابا والإمبراطور حتى إذا كانت الثورة الفرنسوية انتفضت إيطاليا كما انتفض العصفور بلله القطر. وفي أواسط القرن التاسع عشر نشأت تلك الثورة الوطنية التي كان من نتائجها وصول إيطاليا إلى ما وصلت إليه. كانت إيطاليا منذ ستين سنة منقسمة إلى ممالك حقيرة كلحم على وضم فمن مقاطعة صقلية إلى رومان إلى اميليا إلى طوسكانيا إلى بيمون ومن كان يرجو أن يداً صناع تقدر على عجن هذه الأجزاء المنحلة لتوحيدها وإرجاعها إلى الحياة وكم من إيطالي عظيم مات وهو يفكر في هذا الأمر الجلل ويرسم هذه الخطة العجيبة.
ولقد تهيأ لإيطاليا مثل غاريبالدي الذي قاد فتيانها ومازيني الذي كانت حظوته من الشعب سلاحاً أقوى من كلا سلاح وكافور رجل السياسة الذي أحيا الزراعة كما لمَّ شعث الجيش وأقام نصاب العدل والحق كما فاوض أوربا فجعل إيطاليا وطناً.
وهكذا بني بناء الوحدة الإيطالية بسرعة ومواد متينة على أرض لا تتزعزع فتوطدت دعائم هذا البناء منذ خمسين سنة وعادت رومية عاصمة إيطاليا الجديدة وميلان وتورين ونابل هي مدن العمل النافع الرافع. ولا بسبيزيا وجين هما ولا مراء ثغران تنبعث منهما الحياة القوية فإيطاليا مملوءة بماض وهي كذلك في المستقبل ترى فيها بقايا العاديات كما تجد فيها المجددات والمبتدعات وأن أرواح عظماء رجالها المفننين أمثال ميشيل آنج وليوناردي فتسي لتسر بما ترى الآن من معامل لومبارديا المائة الكهربائية العجيبة والمناطيد الطيارة السابحة في الفضاء. كم من آمال تحققت في إيطاليا ففيها أرادت مملكة القياصرة ثم البابوية أن تلقي السلام في العالم وفيها نشأت الخطط الشريفة في الأبنية الاجتماعية والإلهامات الصناعية العجيبة وكل ما ينهض بالأمم ويعلي مقامها قد بدأ في صور بديعة لطيفة فإيطاليا من ثم معمل الكمال والخيال.
المقعدون والصناعة
في كل مجتمع أفراد مصابون بعاهات تمنعهم عن تعاطي كثير من الأعمال فما هي الوسائل التي يجب على المجتمع أن يقوم بها نحوهم؟ يجيب الإنسان لأول وهلة أنه يجب عليه أن