للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لأفراد قليلين من أبناء الفقراء الذين أظهروا ذكاءً مفرطاً.

استمر الحال على هذا المنوال حتى جاء القرن الماضي فتيقظ العالم المتمدن وإدراك كل وظيفة كبيرة كانت أو صغيرة وكل مهنة مهما كانت صغيرة لابد أن يستعد لها المحترف بها وذلك الاستعداد لا يكون إلا في المدرسة - وأقصد بذلك الاستعداد أن يربي جسمه وخلقه وعقله حتى يصبح قادراً على أمرين:

الأول - أن يكافح الحياة ويصير قادراً على المعيشة وسط حبائل هذه الدنيا التي هي في تعقيد كل يوم عن سابقه.

والثاني - أن يقوم بوظيفته أو مهنته القيام الذي يليق بالعصر الذي يعيش فيه وبالوسط الذي هو فرد منه.

فما أدركت الأمم هذه الحقيقة بدأت تكون ما أسميه نظامات التعليم الأهلية - أي نظامات تضمن التعليم بجميع أدواره لجميع أفراد الأمة على اختلاف طبقاتها من غير تمييز بين وضيع ورفيع.

ظهرت الاختراعات العلمية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر فأدخلت لتحسين الزراعة والصناعة وظهر في الوقت عينه أئمة للتربية رجال رأوا أن مستقبل بلادهم الحقيقي ليس بالزراعة والصناعة فقط بل هو بالتربية فقرروا نظريات شتى وبنوا عليها أعمالهم وأكدوا وجوب تهذيب الرجل الذي سيكون مزارعاً أو صانعاً في المستقبل - وجوب تهذيبه من الوجهة الجسمية والأدبية والعقلية.

وقد قضت نفس تلك الاختراعات الصناعية على العمال بازدياد معلوماتهم حتى يصبحوا قادرين على إدارة الآلات الحديثة التي عهدت إليهم.

ولا يخفى أن الرجل الذي يقضي كل حياته في تأدية عمل بسيط - نتيجة ثابتة مدى السنين كالفلاح مثلاً - لا تأتي عليه أحوال يحتاج فيها لإجهاد فكره أو تمرين قوته الاختراعية لمقاومة طارئ هو في الحقيقة لني قع - فالطبيعة تفقد عادة إجهاد النفس وفي المعتاد يصبح في درجة من الغباوة والجهل أقصى ما يمكن أن يصل إليها إنسان فكأنه اشترى مهارته في فلاحته بثمن غال ألا وهو فقد غرائزه الأدبية والاجتماعية والحربية ولكن واآسفاه هذه هي الحالة التي يصير إليها فقراء العمال أو بالأحرى أغلب السكان من كل أمة