عاداتهم اليوم أن يؤخروا بناء بيوتهم وحوانيتهم ما أمكن ويعطوا فضل أراضيهم للشارع حتى يكبر بحسب الخريطة التي تريدها البلدية ولذلك تجد الإحياء الجديدة مثل العزيزية والجميلية فسيحة عريضة كأنها بنيت في يوم واحد أو هي لرجل واحد وكان من ذلك أن صرفت واردات البلدية القليلة وهي لا تتجاوز الستة آلاف ليرة مسانهة على تنظيف المدينة وتطهيرها وتنويرها.
ولقد كنا نود أن نرى في الشهباء نهضة علمية راقية لما عرف في أهلها من الذكاء والمضاء والحساب للمستقبل ولكن رأينا الخاصة الذين يرجى منهم إن يسيروا في المقدمة متشاغلين بخويصة أنفسهم ومن كان على خطتهم من المتأدبين دأبهم النيل من الكبراء وأرباب النفوذ والثراء ممن يتوفرون على اعنات الفقراء واجتجان الصفراء والبيضاء وربما صح أكثر هذه الشكوى ولكن لا حيلة فيمن اعجزوا الحكومة وعرفوا كيف يصرفونها على ما يشاؤون. وعندنا أن يترك الطعن جانبا ولتعارف الطبقة المستنيرة إلى الطبقة القابضة على زمام البلاد من الأعيان الموسرين ليتسنى بذلك النهوض بالشعب المسكين وتثقيف عقول الناشئة ومادام الاختلاف مستحكما بين المنورين والموسرين فالغرباء يجدون سبيلا إلى التلاعب وينطبق ذلك مع رغائبهم.
نحن نعتقد انه ربما كان من أرباب اليسار من جمعوا ثرواتهم الطائلة من طرق غير مشروعة في حكومة عبد الحميد ولكننا نعتقد أن منهم من جمعوها بالاتفاق كان تتوالى سني الجدب - والخصب قلما يدوم سنتين كثيرة في حلب وعملها - فيأتي الفلاح باكيا شاكيا إلى ذاك الوجيه يتخلى له عن كل ما يملك من عقار وارض ليعوله وعياله ويدفع عنه الضرائب والعشور التي يتعذر عليه جدا في غير سني الخيران يقوم بها حق القيام.
وسواء جمع أرباب اليسار ما يملكون الطرق القانونية المشروعة أو من السحت البحت وإرهاق الفلاح والعبث بمصلحة الفقير فان من ملك ملك ومن هلك هلك وليس من وسيلة الآن لنزع ما ملكوا من أيديهم فالا حجي أن تحسن سياستهم في الجملة للانتفاع من أموالهم تصرف على أعمال الخير وإنشاء الكتاتيب والمدارس وما نظن أكثرهم إلا قانعين من الطبقة المستنيرة بالسكوت عما مضى. وما تم في الغابر هو لا جرم نتيجة ضعف الحكومة وفسادها ولو عرفت منذ القديم كيف تحسن سياسة الرعية وتدفع الناس بعضهم عن بعض