للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما اختل النظام ولرضي الخاص والعام.

نحن نعلم أن أموال الأغنياء هنا بل وفي كل مكان تصرف على الأكثر فيما لا يرضى عنه الأدب والأخلاق وان أبناء الطبقة الوسطى أمضى عزائم وأجمل أخلاقا ولكن ليست المهارة في النقد من بعيد بل المهارة بدخول المجتمع وإصلاح ما أمكن من مفاسده ومهلكاته. أن في التباعد جفاء وفي الاجتماع حسن تفهم وكم من عدو لك بتحكك به ينقلب على الزمن صديقا وكم من صديق يكون بابتعادك عنه عقوقاً.

أن ما رأيناه من حلب وهي ماهية من عظمتها وغناها وما نقل لنا وشهدناه من تنوع ضروب الفجور والملاهي فيها أبكانا على قاعدة من أهم قواعد الشام وكهف عظيم من كهوف الإسلام ودعانا إلى إن ننسب القصور للعالمين والجاهلين على السواء فلا يخلص من تبعه هذا الانحلال عاقل اللوم يلحق العالم أن ينال الجاهل.

تالله لو صرفت حلب ربع ما تنفقه في سبيل اللهو والموبقات على المعارف والآداب الرافعة لأصبحت في بضع سنين ذات مدنية راقية. وبعد أليس من العار أن تكون نابلس في فلسطين وهي مشهورة بانغماسها في حماة الجهالة بعدد نفوسها اقرب إلى التعلم من حلب دخل من أبناء أعيانها بضعة وعشرون ليدرسوا في المدارس الأستانة العالية وبضعة قصدوا ديار الغرب ولا نرى إلا عددا قليلا من الحلبيين يقصدون الأستانة ليتخرجوا في مدارسها ليجيء منهم اتكاليون من عباد الوظائف وعبيد الحكومة ولا نرى في الغرب من أبنائهم سوى اثنين أو ثلاثة فقط وبهذا نرجو النهوض ونتوسل بأسباب الارتقاء.

أليس من العار أن يكون بلد يبلغ بمساحته ضعفي مساحة دمشق وفي غناه التجاري من أهم المدن التجارية في البلاد العثمانية وفي طيب مناخه من أجود البقاع وفي مضاء سكانه مثلا مشهورا ثم لا تشهد فيه صحيفة عربية واحدة تصدر باسم رجل مسلم من أهلها بعرف طرق الإصلاح ويحسن المطالبة به. ولا مدرسة ابتدائية أهلية تعلم ابن الفلاح والتاجر والصانع ما يلزمه في دينه ودنياه ولا ناديا ولا جمعية ولا شركة تنفع في التعارف والتعاطف والتكافل.

أن معظم البلاد استفادت من نعمة الدستور فهبت تتعلم وتفكر في الإصلاح ولكن حلب على ما ظهر لنا في مؤخرة البلدان التي لم تدرك حتى الآن ما يراد بالحرية.